رود زاهر در سیره پادشاه ظاهر
الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر
وتسلم المسلمون صفد، وولى في القلعة الأمير مجد الدين الطوري، وجعل فيها نائب عز الدين العلائي، ومقدم العسكر الأمير علاء الدين ايدغدي السلاح دار. وأصبح السلطان جالسا وحضر إلى خدمته الأمراء والمقدمون من عسكر مصر والشام فشكر اجتهادهم وذكر رضاه عنهم، وقال : «ربما عتبت على أحد منكم أو جرى مني إنكار أو تأدیب، وما قصدت بذلك إلا حثكم على هذا الفتح العظيم، ومن هذا الوقت نتحالل ». وذكر أسري صفد وخروجهم بغير أمان معتبر، وما كان استقر من خروجهم بغير عدة، ونقضهم لذلك، وأنهم ما كلفوا السلطان يمينة، وأمرهم بضرب رقابهم، فركبوا، وأحضرت خيالة الديوية والاسبتار، وجميع من أخرج من صفد من الفرنج، فضربت رقابهم على تل قریب صفد، في مكان كانوا يضربون فيه رقاب المسلمين، ولم يسلم منهم غير نفرين، أحدهما الرسول بحكم أن السلطان كان شرب قمزة في النقب وخرج إليه هذا الرسول فسقاه منه فعفى السلطان عنه، وخيره في التوجه إلى قومه، فاختار المقام في خدمة السلطان، وأسلم على يده، فأحسن اليه وأعطاه اقطاعا وقربه منه واستمر في الخدمة. وأما النفر الآخر فإن الأتابك شفع فيه ليخبر الفرنج بما جرى، وهو من بيت الاسبتار، وكان خرج رسولا، فعفى السلطان عنه ؛ وفي ذلك مكيدة فإن هذا الاسبتاري لما وصل إلى عكا استخفى عند الاسبتار، فطلبه الديوية الذين كانوا أصحاب صفد، وقالوا : «هذا لما خرج رسولا" هو وافرير ليون ما حلف السلطان، وعملوا على الفرنج ». وكادت تقوم بينهم فتنة بسببه، وأراد الله أن هذا الاسبتاري خرج في غارة بعد ذلك، فقتل بيد العساكر الإسلامية وأبی الله أن يجعل له إلى الحياة سبيلا، أو أنه يفر من السيوف الإسلامية، وإنما متعه متاعا قليلا. وكان الأتابك قد سير مع هذا الأخ كتابة فيه توبيخ لمقدم بيت الاسبتار، ومن جملته : وأنا أقول لك هذا السلطان سعيد وأنت تغالط وكتبت إلى نوبة أرسوف تقول أرسوف ما تبالي بالعساكر، وكذلك قلت عن صفد ؛ وقد ظهر لك صدق حديني ».
ولما قتل الفرنج دخل السلطان قلعة صفد، وفرق على الأمراء من العدد الفرنجية، والجواري، والمماليك، ونقلت إليها الزردخاناه التي كانت صحبته، وصار يحمل فردة حمل النشاب على كتفه إلى داخل القلعة، فتشبه الناس به، فنقلت الزردخاناه والمنجنیقات إليها في أسرع وقت، وطلب لها الرجال من دمشق ؛ وتقررت نفقة رجالها في الشهر ثمانين ألف درهم، واستخدم على جميع بلادها الأمراء، وعمل بها جامع في القلعة، وجامع في الربض.
ولم ينس نصيب الآخرة فأوقف على الشيخ خضر نصف قدیثا، وأوقف على الشيخ علي المجنون نصف وربع الحقاب، والربع منها على الشيخ الياس ؛ ووقف على قبر خالد بن الوليد قرية فرغم من صفد ؛ ووقف على قبر شعيب النبي - صلى الله عليه وسلم ! - قرية منها. وركب العيادة الأمير جمال الدين ايدغدي العزيزي وغيره.
وفي سابع وعشرين شوال رحل متوجها إلى دمشق، فنزل بالحسورة، وأمر بأن العساكر لا تدخل دمشق بل تبقى على حالها لتتوجه إلى سيس، ودخل دمشق جريدة، ورسم بتوجه الملك المنصور صاحب حماه مقدم) على العساكر إلى سيس ووصاه بما يعتمده وجهزه.
صفحه ۲۶۳