القوى المركزية تثقل جميع الأجسام بنسبة مادتها، وأن هذه القوى المركزية هي التي تحرك السيارات والمذنبات وفق نسب معينة، وأثبت لكم أن من المستحيل وجود سبب آخر لثقل جميع الأجرام السماوية وحركتها؛ وذلك لأن الأجسام الثقيلة إذ تسقط على الأرض وفق نسبة القوى المركزية التي أثبتت؛ ولأن السيارات إذ تقوم بسيرها وفق هذه النسب، فإنه عند وجود قوة أخرى تؤثر في جميع هذه الأجسام، تزيد هذه القوة سرعة هذه الأجسام أو تغير اتجاهها، والواقع أنه لا يوجد أي من هذه الأجسام خال من درجة حركة وسرعة، وقصد لم يثبت كونه معلول قوى مركزية؛ ولذا فإن من المحال وجود سبب آخر.»
وليسمح لي بأن أحمل نيوتن على الكلام دقيقة أخرى، وهو الذي يقبل منه أن يقول: إنني في حال تختلف عما كان عليه القدماء، فقد كانوا يرون أن الماء يصعد في المضخات مثلا، فيقولون: «إن الماء يصعد لأنه يأنف من الفراغ»، وأما أنا فإنني في حال من لاحظ أول مرة أن الماء يصعد في المضخات تاركا للآخرين أمر إيضاح علة هذا المعلول. ويعد عالم التشريح، الذي هو أول من قال: إن الذراع تتحرك؛ لأن العضل تتقلص، قد علم الناس حقيقة لا جدال فيها، فهل يقل اعترافنا بالجميل له؛ لأنه لم يعرف السبب في كون العضل تتقلص؟ أجل، إن علة نابض الهواء مجهولة، غير أن الذي اكتشف هذا النابض قدم إلى الفزياء خدمة عظيمة، وكان النابض الذي اكتشفته أكثر خفاء وأعظم شمولا، وهكذا يجب أن أحبى بأكبر شكر، ولقد اكتشفت خاصية جديدة للمادة تحسب سرا من أسرار الخالق، وقد حسبتها وأثبت معلولاتها، فهل يمكن أن أوبخ على الاسم الذي أطلقته عليها.
والدوارات هي ما يمكن أن يسمى خاصية خفية، ما دام وجودها لم يثبت قط، وعلى العكس تظهر الجاذبية أمرا حقيقيا، ما دامت معلولاتها قد أثبتت، وما دامت نسبها قد حسبت، وأما علة هذه العلة ففي الله. تقدم إلى هنا ولا تجاوز الحد.
الرسالة السادسة عشرة
حول بصريات مستر نيوتن
كان قد كشف كون جديد من قبل فلاسفة القرن الأخير، وكان هذا الكون من صعوبة العلم به ما كان أمره لا يخطر حتى على البال، وكان يلوح لأعقل الناس أن من التهور أن يجرؤ مع الاقتصار على التفكير في إمكان التنبؤ بالسنن، التي تتحرك بها الأجرام السماوية وبكيفية سير النور.
وقد أبصر غليله في اكتشافاته الفلكية، وكبلر في حساباته، وديكارت في مباحثه عن انكسار النور على الأقل، ونيوتن في جميع آثاره، ميكانية نوابض العالم، وقد أخضعت اللانهاية للحساب في الهندسة، وقد غيرت الدورة الدموية في الحيوانات والنسح في النباتات الطبيعية لدينا، وقد منحت الأجسام في مفرغة الهواء طرازا جديدا في الوجود، وقد قربت الأشياء إلى عيوننا بواسطة المرقب، وأخيرا بدا ما اكتشف نيوتن حول النور جديرا بكل ما يمكن فضول الناس أن ينتظره من أكثر الأمور إقداما بعد تلك الطرائف الكثيرة.
وكان قوس قزح يلوح أعجوبة غامضة قبل أنطونيو دو دومينيس، فتنبأ هذا الفيلسوف بأنه معلول لازم للمطر والشمس، وخلد ديكارت اسمه بإيضاحه الرياضي لهذه الظاهرة الطبيعية، فقد حسب انعكاسات النور في قطرات المطر، وعدت هذه البصيرة من الإلهام في ذلك الحين.
ولكن ما يقول إذا ما أخبر بأن الوهم تطرق إليه حول طبيعة النور، وأنه ليس لديه أقل سبب لتوكيده أنه جسم مركب من كرى، وأن من الخطأ كون هذه المادة، بانبساطها في جميع العالم، لا تنتظر كيما تعمل غير دفع الشمس لها شأن العصا الطويلة التي تعمل بأحد طرفيها عندما تضغط من طرفها الآخر، وأن من الصحة بمكان كونه يلقى من الشمس إلى الأرض في نحو سبع دقائق، مع أن قنبلة المدفع لا تستطيع أن تقطع هذه المسافة إلا في خمس وعشرين سنة على أن تحفظ سرعتها دائما؟
وما يكون دهشه لو قيل له: «من الخطأ أن يذهب إلى أن النور ينعكس مباشرة بوثوبه على أجزاء الجسم الصلبة، ومن الخطأ أن يذهب إلى أن الأجسام تكون شفافة إذا ما كانت ذات مسام واسعة، فسيظهر رجل يثبت غير ما عليه الناس، ويشرح شعاعا واحدا من النور بمهارة أعظم من التي تتم على يد أبرع متفنن يشرح جسم الإنسان!»
صفحه نامشخص