فو اعجبا لجهله بمسائله! وزور كذبه علينا ومقاوله! ومتى ويله زعمنا له أن جميع ما بث من خلقه وأرى، مما ولي خلقه بيده تعالى ؟! إنما قيل ذلك في آدم خاصة دون غيره من الأشياء، إذ تولى سبحانه صنعه بالابتداء، ولم يكن ككون بعض الأشياء من بعض، ولم يتقدمه في خلقه نظير من أهل الأرض. فأما نظرآؤه الذين كانوا بعد من أولاده، فإنما خلقهم سبحانه بالتناسل من بعده، لا على طريق خلقته من الابتداء، ولا بمثل مبتدئه من الأشياء، خلقا عن غير والدين ولداه، ومبتدعا لا على مثال ابتداه .
فأما قوله في قول الله سبحانه: { كن فيكون } [البقرة: 117]، وزعمه أنه لا يقال: كن إلا لما هو كون، فليس - ويله، ويلا يكثر عوله - مذهبنا في ذلك إلى ما توهم، وأنه سبحانه نطق أو تكلم، إنما ذلك للإخبار، عن القوة منه والاقتدار، وأنه لا يفعل ما فعل بمباشرة، وأن سبيل فعله كله سبيل قدرة، لا يعان بكفين، ولا يستعان بمعين.
فأما قوله: لأن كون شيء، لا من شيء، لا يقوم في الوهم له مثال، وما لا يقوم في الوهم مثاله فمحال .
فإنه يقال فيه لمن قال مقاله، ورضي - فيما قال منه - حاله: أتزعم يا هذا أن الأشياء قديمة ؟! ليس لبعضها على بعض عندك تقدمة ؟!
فمن قوله: نعم، قد ثبت لكلها القدم.
فيقال له: أليس إقرارك لكلها بقدمها، وإثباتك للقدم في توهمها، إقرارا بأنها لا من شي، وأنها أول بدي ؟!
والأول لا يكون أولا إلا لغيره، ولا يثبت أولا لتكريره، فأيهما أولى بالقيام في الوهم ؟ حدوث شيء لا من شيء متقدم ؟! أو شيء لا أول له يعلم ؟! ولانهاية في آخره تتوهم ؟!!
فإن قال شيء لا أول له ولانهاية، أولى بالتوهم منه ولاية.
قيل: فلا يكون هو أولا إلا وهو متوهم، وإذا أجزت في معنى لم يزل التوهم، ثبتت به حينئذ الإحاطة، ولا يحاط إلا بماله نهاية محيطة، والنهاية أقطار، والقطر تحديد وافتطار .
صفحه ۱۷۸