فإن قلت: ليس نتوهمه على هذا لأن هذا قد استحال، ولكننا نتوهم أنه لم يزل ولن يزال.
قيل: فأنت إنما تريد تتوهم أنك تدرك وتعلم !! فلم أنكرت المحدث وإن لم تعلم له كيفية في الوهم ؟! وقد ثبت معنى لم يزل غير متوهم، فقد يلزمك أن يكونا جميعا عندك في التعجب مشتبهين، فإن قلت: فإني أنفي يا هذا هذين من الوجهين، فالمسألة عليك في نفسك لازمة، والأشياء بعد قائمة !!
يقال لك: أتخلو الأشياء من أن تكون حوادث أو قديمة ؟! إذ الأشياء ليست إلا قديما أو حادثا، لا يتوهم متوهم فيها وجها ثالثا ؟
فإن قلت: فإني لا أدري أعلى حقائق الأشياء أم لا! لحقت بأصحاب سوفسطاء، وفيما كان من رد الأوائل عليهم غنى كاف، وبيان قد تقدم منهم شاف. والحمد لله رب العالمين، وصلواته على محمد وآله الذين طهرهم تطهيرا .
ومما يقال إن شاء الله لمن قال إنه لا يكون شيء إلا من شيء، وأن كل ما أدركنا بالحوآس كلها فأولي أزلي، وهم فرق شتى متفرقة، فمنهم من يقول: إنما الحدث اجتماع وفرقة.
ومنهم من يقول: إنما هو بتغير العين، باختلاف ما يدخلها من التعيين.
ومنهم من يقول: إنما الحدث كون بعض الأشياء المختلفة المتضآدة من بعض، كالأرض التي تكون من الماء والماء الذي يكون من الأرض؛ ومن أجل هذا الأصل، قالوا جميعا إن الكل مختلط بالكل، وأن الكل من الكل يكون، وأن هذا هو الحدوث والكون، إلا أنه من صغر أقداره، لا يوجد ولا يحس به، وهو لا منتهى له في عده، وأن كل ضد من الأشياء مختلط بضده، البياض بالسواد، والنامي بالجماد، والعظم باللحم، واللحم بالعظم، ليس شيء منه بخالص وحده، ويرون أن طبيعة الشيء هي الأكثر منه أو مما ضآده.
صفحه ۱۷۹