وقال: هل تعلم يا هذا لم خلق الخلق ؟! فنعم نعلم، إذ علم وفهم، ومن ما نزل من ذلك وبين، أما الجن والإنس فلما قال تعالى من عبادته، إذ العبادة له واجبة على أهل النعمة في محمدته، وأما ماسوى الثقلين فلهما خلقه، وبه استحق عليهما من الشكر ما استحقه، فذلك قوله جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسماؤه: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [الذاريات: 56- 58]. ومن ذلك قوله سبحانه: { وسخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون، وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا } [الجاثية: 12- 13]. فسبحان الله مستحق الرضى، ممن أطاع أو عصى، بأحق حقائق الاستحقاق، وما يحق للخالق الرزاق .
فأما قوله: فما أراد بخلقه الخير أم الشر ؟!
فالخير أراد بهم جميعا سبحانه معجلا، وثواب المحسن منهم أراد جل ثناؤه مؤجلا، فأراد سبحانه الخير في كلهم إرادة تعجيل، أتمها فأكملها أفضل تكميل، لا كما يريد من لم تتم إرادته، ولا تحق على غيره عبادته، وأما إرادته في التأجيل، فإرادة خلافها يستحيل، إذ لا يكون بنية أهل الدين، إلا بنية تمليك وتمكين، وأنه متى كان غير ذلك لم تكن البنية بمحكمة، ولم ير فيها ما يرى من آثار الحكمة، وكانت مواتا لا تفعل، وشيئا من الأشياء لا يعقل، فليعقل -ويله- أسباب حكم الله المترافدة، وليعلم تعالي الله عن بنية أعيان الأشياء المتضآدة، التي لا تقوم بحال في وهم الأصحاء، ولا توجد بفهم في جهلاء ولا علماء.
وأما قوله لعنه الله: إن ربهم على كرسيه قاعد، وإنه تدلى فكان قاب قوسين أو أدنى.
صفحه ۱۶۸