فيال عباد الله من أعطاه، قاتله الله ما أعظم فراه، أنه جلس فقعد، أو تدلى أو صعد، من حيث ظن، أو توهم، وما يبالي ما قال علينا كذبا، وادعاه من القول فينا تلعبا، إن الذي قال من قعد وتدلى وانقلب، وجزع وافتخر وأنشأ وغلب، فأكثر فيه من هذا القول علينا كذبا وقرفا وخلفا، لشيء ما علمت أن مليا ولا ذميا يعقل ما قال منه قط حرفا، وبلى، ولعله وعسى، أن يكون ظن قوله: { استوى }، فلا لم يعن الله بها ما عنى، وما لله سبحانه من ذلك، لو عنى به ما ظن هنالك، من المدح المعظم، والتعظيم المكرم.
أما علم إنما يراد بالاستواء، الاجلال لله والاعلاء بملكه لما فوق السموات العلى، وأن استواءه على ذلك كاستوائه على الأرض السفلى، وأن استوى في هذا كلمة من الكلام، جائز معناها بين الخوآص والعوآم، تقول العرب إذا ظفرت بأحد، وغلبت على بلد: لقد صرت إليها، واستويت عليها، تريد غلب سلطاني فيها، فهذا وجه قوله جل ثناؤه: {استوى } [الأعراف: 54]. لاما يذهب إليه فيه من العمى.
وأما ما جهل من قول الله تبارك وتعالى: { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } [الحاقة: 17]، فقد يمكن أن يكون ثمانية أصناف، أو ثمانية آلاف، أو ثمانية معان، ليس مما يدرك بعيان، وأن لا يكون كما ظنوا ملائكة، وأن أقل ما في ذلك إذلم يأتهم فيه عن الله فيه بيان أن تكون قلوبهم فيه ممترية شآكة، لأن ذلك قد يخرج في اللسان، ويتوجه في فهم أهله بإمكان، وإن في ذلك لعلما عند أهله مخزونا، وإن فيه لله لغيبا مكنونا، يدل على عجائب خفية، ويتجلى إذا كشف عنه تجلية مضية، وليس معنى: { فوقهم } ما يذهب إليه الجهلة من الرقاب، ولا ما يتوهمون فيه من تشبيه رب الأرباب. والثمانية فقد يمكن فيها، غير ما قال به الجهلة عليها.
صفحه ۱۶۹