عاش صاحبنا في عصر الفاطميين بالمغرب الذين استباحوا دماء المسلمين ظلما وبهتانا، فقد ارتكبت في عهدهم أفحش المناكر التي تحدث عنها كثيرا ابن عذاري وابن خلدون وغيرهما. وكان من ضحايا هذا الظلم الإمامان الإباضيان : أبو خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامي العالم المجتهد وأبو القاسم يزيد بن مخلد اليهراسني.
فقد أعلن أبو خزر الثورة على الفاطميين بسبب قتلهم لزميله وشيخه أبي القاسم يزيد، من جهة ولعدم قبول أهل المغرب لحكم العبيديين الذين لا يتفقون معهم في المذهب من جهة ثانية.
بويع أبو خزر إمام دفاع، لكن ثورته أخفقت لعدة أسباب سنذكرها فيما بعد، فالتجأ إلى جبل نفوسة المنيع، ولما أيس المعز الفاطمي من القبض عليه، وقد خاف أن تتجدد له البيعة مرة أخرى فيثور على الحكم الفاطمي، عندئذ بذل له الأمان وللإباضية، فرجع. وبعد مدة انتقل المعز إلى مصر سنة 362ه فأخذه معه كعالم المغرب ظاهرا وكرهينة في الحقيقة ليأمن على خلفائه من نشوب ثورة بعد رحيله إلى القاهرة، إلا أن هذا كله لم يزد المالكية والإباضية إلا استماتة في الدفاع عن آرائهم ضد الفاطميين الذين أيقنوا بعد هذه الثورة أن أهل البلاد غير راغبين في حكمهم وعقيدتهم فارتحلوا إلى مصر وتركوا البلاد في أيدي أبنائها من الزيريين دون رجعة بعد ذلك.
ويعود الفضل في ذلك كله إلى التحام الإباضية والمالكية في القيروان وما والاها ووقوفهم صفا واحدا ضد أعدائهم العبيديين الفواطم.
وفي هذه الرسالة التي نقدمها للقراء الكرام دراسة عن إحدى الشخصيات التي عرفها وخلدها التاريخ، تلك هي شخصية الإمام الإباضي الكبير أبي خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامي التونسي الذي كان مثالا في علمه وعمله وفي زهده وورعه وفي جهاده وتضحياته وفي دعوته ونشاطه، وهي أيضا تشمل دراسة قيمة عن المذهب الإباضي وعن أبرز متكلميه بشمال إفريقية.
صفحه ۶