وبما أن الإباضية - كما قلنا - لعبت دورا هاما من الناحية العقائدية والسياسية والاجتماعية، وتركت دويا هائلا في الأوساط العربية والإسلامية على حد سواء لما اتسمت به من الواقعية ومن النزعة العلمية والعقلية المتحررة في فلسفتها وآرائها، رأينا أن ندرس رأي هذا المتكلم الإباضي الذي عاصر الدولة الفاطمية ببلاد المغرب والذي ساهم بفكره وبثورته في ارتحال الفواطم إلى مقر حكمهم بالقاهرة من جهة وإلى عدم وجود دراسة متكاملة للمذهب الإباضي في تلك الفترة من جهة ثانية، وصاحبنا هذا من أوائل المتكلمين إذ كان مرجعا لعلماء القرنين الخامس والسادس الهجري. ومن ثم رأينا أن نبحث في ثورة من ثورات الإباضية على الحكم الفاطمي، ودراسة عقائد الإباضية متمثلة في أحد أوائل المتكلمين بتونس من الإباضية، وهو كتاب « الرد على جميع المخالفين » لأبي خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامي الإباضي الذي لم يحظ بدراسة أكاديمية، ولم يصدر- فيما نعلم - أي بحث متخصص في هذا الموضوع الذي أرى من واجبي كباحث عربي أن أميط اللثام عن أبي خزر الذي لم يتعرض له المؤرخون وكتاب الفرق من غير الإباضية - قديما وحديثا - إلا في بعض الإشارات الطفيفة جدا.وقد انبريت لهذا العمل يحدوني الأمل بأن أؤدي واجبا نحو جانب هام من تراث أمتنا المجيدة خاصة وأن ثورة أبي خزر اكتنفها الكثير من الغموض مثل ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد قبله. لذا وجب - كما قلنا - إزاحته وإخراج تلك الثورة وعقائد صاحبها وردوده على الفرق المخالفة في ثوب جديد، واضعا نصب عيني أن تاريخنا كله ملك لنا، وبالتالي يجب علينا العناية به واستنطاقه والاعتبار به. كما يجب أن لا نغض الطرف عن أي جزء أو فترة منه، فالجيد منه يجب أن يكون لنا مثلا طيبا وقدوة حسنة، وما هو سيئ يجب أن يكون لنا درسا مفيدا وعبرة واعظة.
صفحه ۳