وما أرى العيب لحق امرأ القيس في هذا لأن العروس إذا كانت تسحب ذيلها فليس ينكر تشبيه الذنب به وإن لم يمس الأرض لأن الشيء يشبه بالشيء إذا قرب منه أو دنا من معناه فإن أشبهه في أكثر أحواله فقد صح التشبيه ولاق به وإن امرأ القيس لم يقصد أن يشبه طول الذنب بطول ذيل العروس وإنما أراد مشابهته له بالسبوغ والكثرة والكثافة. ألا تراه قال تسد به فرجها من دبر. وقد يكون الذنب طويلًا يكاد يمس الأرض ولا يكون كثيفًا، بل يكون رقيقًا، نزر الشعر خفيفًا لا يسد فرج الفرس، فلما قال تسد به فرجها علم أنه أراد الكثافة والسبوغ مع الطول، فتشبيه الذنب الطويل بذيل العروس من هذه الجهة تشبيه صحيح لا عيب فيه، ولا يحكم عليه بأنه قصد بذلك سحبه على الأرض، وإنما العيب في قول البحتري: ذنب كما سحب الرداء حيث صرح بأنه سحب ذنبه كما يسحب الرداء، ومثل قول امرئ القيس قول خداش بن زهير:
لها ذنب مثل ذيل الهدي ... إلى جؤجوءٍ أيد الزافر
الهدي: العروس التي تهدى إلى زوجها، والزافر: الصدر، لأنها تزفر منه، فقد أراد بذيل العروس طوله وسبوغه، وشبه الذنب السابغ به، وإن لم يمس الأرض بطوله، ومما يصحح ذلك قولهم: (فرس ذيال) إذا كان طويلًا طويل الذنب، فإذا كان قصيرًا طويل الذنب، قالوا (ذائل)، وإنما قالوا ذلك تشبيهًا للذنب بالذيل لا غير، قال النابغة:
بكل مدجج كالليث يسمو ... إلى أوصال ذيال رفن
المدجج: شاكي السلاح، والرفن والرفل: طول الذنب. وقد استقصيت الاحتجاج لبيت امرئ القيس فيما بينته من سهو أبي العباس عبد الله بن المعتز فيما ادعاه على امرئ القيس من الغلط، انتهى بتصرف.
أقول وقد غلط ابن حمديس الصقلي كما غلط البحتري فقال:
ومجرد في الأرض ذيل عسيبه ... حمل الزبرجد منه جسم عقيق
يجري كلمع البرق في آثاره ... من كثرة الكبوات غير مفيق
ويكاد يخرج سرعة من طله ... لو كان يرغب في فراق رفيق
وقد عيب على امرئ القيس أيضًا قوله:
وأسحم ريان العسيب كأنه ... عثاكل قنوٍ من سميحة مرطب
لأن ريان العسيب غليظه وهذا مما لا يمدح به إلا الإبل لا غير.
قال الشاعر:
وتلف حاذيها بذي خصل ... ريان مثل قوادم النسر
الحاذي: الذنب، والضمير راجع إلى الناقة، والحاذ: ما يقع عليه الذنب من جانبي الفخذين، وقال المتنبي:
أتاهم بأوسع من أرضهم ... طوال السبيب قصار العسب
وقال:
أغر أعداؤه إذا سلموا ... بالهرب استكثروا الذي فعلوا
يقبلهم وجه كل سابحةٍ ... أربعها قبل طرفها تصل
جرداء ملءِ الحزام مجفرةً ... يكون مثل عسيبها الخصل
إن أدبرت قلت لا تليل لها ... أو أقبلت قلت ما لها كفل
الجرداء: قصيرة الشعر، والمجفرة: واسعة الجنبين، والخصل: جمع خصلة، أي: كثيرة شعر الذنب، والتليل: العنق، والكفل: الردف، والممدوح فيهما الإشراف، والمعنى: إن تأملتها رأيتها مشرفة عند إقبالها بعنقها وعند إدبارها بعجزها، وقال علي بن جبلة:
تحسبه أقعد في استقباله ... حتى إذا استدبرته قلت أكب
ومنها أن تكون ممحصة القوائم، أي: قليلة لحمها، قوية خالصة من الرهل، أي: الاسترخاء، قال الشاعر:
محص فرافص أشرفت حجباته ... بنضو السوابق زاهق قرد
الممحص والفرافص: معناهما واحد، أي: قوية قوائمه خالصة من الرهل، والحجبات من الفرس: ما أشرفت من صفات البطن على وركيه.
وقال رؤبة:
شديد جلز الصلب ممحوص الشوى ... كالكر لا شخت ولا فيه لوى
الكر: الحبل، والشخت: الدقيق الضامر لا من هزال، واللوى: اعوجاج الذنب، يقال: (لوى ذنب الفرس) إذا اعوج، وهو عيب، ولو كان اعوجاجه خلقة.
ومنها أن تشيل أذنابها عند شدة العدو ويسمى عند أهل الشام التصنيع، قال علقمة بن شيبان بن عدي:
ولقد شهدت الخيل يوم طرادها ... فطعنت تحت كنانة المتمطر
ونطاعن الأبطال عن أبنائنا ... وعلى بصائرنا وإن لم نبصر
ولقد رأيت الخيل شلن عليكم ... شول المخاض أبت عن المتغبر
أي: رأيتكم والخيل تعدو عليكم رافعة أذنابها رفع النوق الحوامل إذا طلب أحد حلب غبرها، أي: بقية ما في ضرعها من اللبن، وقال قطبة بن أوس الملقب بالحادرة:
1 / 48