أخا ثقة لا يلعن الحي شخصه ... صبورًا على العلات غير مسبب
إذا أنفدوا زادًا فإن عنانه ... وأكرعه مستعملًا خير مكسب
رأينا شياهًا يرتعين خميلة ... كمشي العذارى في الملاء المهدب
فبينا تمارينا وعقد عذاره ... خرجن علينا كالجمان المثقب
وأقبل يهوي ثانيًا من عنانه ... يمر كمر الرائح المتحلب
ترى الفأر عن مسترغب القدر لائحًا ... على جدد الصحراء من شد ملهب
خفا الفأر من أنفاقه فكأنما ... تجلله شؤبوب غيث منقب
فغادر صرعى من حمارٍ وخاضب ... وتيس وثورٍ كالهشيمة قرهب
فقلنا ألا قد كان صيد لقانصٍ ... فخبوا علينا فضل برد مطنب
فظل الأكف يختلفن بحانذٍ ... إلى جؤجؤ مثل المداك المخضب
وظل لنا يومٌ لذيذ بنعمةٍ ... فقل في مقيل نحسه متغيب
حبيب إلى الأصحاب غير ملعنٍ ... يفدونه بالأمهات وبالأب
فيومًا على بقعٍ دقاقٍ صدوره ... ويومًا على سفع المدامع ربرب
وراح يباري في الجناب قلوصنا ... عزيزًا علينا كالحباب المسيب
فلما فرغا من إنشادهما قالت أم جندب زوجة امرئ القيس لبعلها: علقمة أشعر منك لأنك قلت:
فللساق ألهوب وللسوط درةٌ ... وللزجر منه وقع أهوج منقب
فضربت فرسك بسوطك، وامتريته بساقيك، وزجرته بسوطك، وأما فرس علقمة فإنه أدرك ثانيًا من عنانه، ولذا قال:
فأقبل يهوي ثانيًا من عنانه ... يمر كمر الرائح المتحلب
فغضب امرؤ القيس من قولها وطلقها، فخلفه علقمة عليها ولذا سمي علقمة الفحل؛ لأن كل من عارض شاعرًا وغلبه سمي فحلًا.
وقال امرؤ القيس أيضًا:
وسالفة كسحوق الليان ... أضرم فيه الغوي السعر
وقال أبو تمام يمدح الحسن بن وهب على فرس أهداه له:
نعم متاع الدنيا حباك به ... أروع لا جيدرٌ ولا جبسُ
أصفر منه كأنه محة البي ... ضة صافٍ كأنه عجس
هاديه جذعٌ من الأراك وما ... خلف الصلا منه صخرة جلس
يكاد يجري تلجادي من ماء عط ... فيه ويجنى من متنه الورس
هذب في جنسه ونال المدى ... بنفسه فهو وحده جنس
أحرز آباؤه الفضيلة مذ ... تفرست في عروقها الفرس
ليس بديعًا منه ولا عجبًا ... أن يطرق الماء ورده خمس
يترك ما مر مذ قبيل به ... كأن أدنى عهد به الأمس
وهو إذا ما ناجاه فارسه ... يفهم عنه ما يفهم الإنسُ
وهو ولما تهبط ثنيته ... لا الربع في جريه ولا السدس
وهو إذا ما رنا بمقلته ... كانت سخامًا كأنها نقس
وهو إذا ما أعرت غرته ... عينيك لاحت كأنها برس
ضمخ من لونه فجاء كأن ... قد كسفت في أديمه الشمس
كل ثمين من الثناء له ... غير ثنائي فإنه بخس
هذب عمي به صقيل من ال ... فتيان أقطار عرضه ملس
سامي القذالين والجبين إذا ... نكس من لؤم فعله النكس
وقال أبو العلاء المعري:
أمامك الخيل مسحوبًا أجلتها ... من فاخر الوشي أو من ناعم السرقِ
كأنما الآل يجري في مراكبها ... وسط النهار وإن أسرجن في الغسق
كأنها في نضار ذائب سبحت ... واستنقذت بعد أن أشفت على الغرق
ثقيلة النقض مما حليت ذهبًا ... فليس تملك غير المشي والعنق
تسمو بما قلدته من أعنتها ... منيفة كصوادي يترب السحق
السرق: الحرير (فارسي معرب)، والآل: السراب. والمراكب: كل آلة تكون على الفرس وقت ركوبها، ويترب: - بالتاء المثناة فوق - هي اليمامة، وقال عقبة بن مكدم:
في تليل كأنه جذع نخل ... مستهل مشذب الأكراب
وقال امرؤ القيس:
ومرقبةٍ كالزج أشرفتُ فوقها ... أقلب طرفي في فضاء عريض
فظلتُ وظل الجون عندي بلبده ... كأني أعدي عن جناح مهيض
فلما أجن الشمس عني غوارها ... نزلت إليه قائمًا بالحضيض
يباري شباة الرمح خد مذلق ... كصفح السنان الصلبي النحيض
أخفضه بالنقر لما علوته ... ويرفع طرفًا غير جافٍ غضيض
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد عبل اليدين قبيض
له قصريا عيرٍ وساقا نعامة ... كفحل الهجان ينتحى للغضيض
1 / 41