وهذا البت من قصيدة قالها حين تذكر الشعر مع علقمة بن عبدة وادعاه كل منهما فقال له علقمة: قل شعرًا تمدح فيه فرسك والصيد، وأنا أقول مثل ذلك، والحكم بيني وبينك أم جندب فقال امرؤ القيس:
خليلي مرا بي على أم جندب ... لنقضي لبانات الفؤاد المعذبِ
إلى أن قال في وصف الفرس والصيد:
وقد أغتدي والطير وفي وكناتها ... وماء الندى يجري على كل مذنب
بمنجرد قيد الأوابد لاحهُ ... طرادُ الهوادي كل شأوٍ مغربِ
على الأين جياشٌ كأن سراته ... على الضمر والتعداء سرحة مرقب
يباري الخنوف المستقل زماعه ... ترى شخصه كأنه عود مشجب
له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ ... وصهوة عير قائمٍ فوق مرقب
ويخطو على صم صلابٍ كأنها ... حجارة غيل وارسات بطحلب
له كفل كالدعص لبده الندى ... إلى حاركٍ مثل الغبيط المذاب
وعين كمرآة الصناع تديرها ... بمحجرها من النصيف المنقب
له أذنان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي مذعورةٍ وسط ربرب
ومستفلك الذفرى كأنه عنانه ... ومثناته في رأس جذع مشذب
وأسحم ريان العسيب كأنه ... عناكيل قنوٍ من سميحة مرطب
إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه ... تقول هزيز الريح مرت بأثأب
يدير قطاة كالمحالة أشرفت ... إلى سندٍ مثل الغبيط المذاب
ويخضد في الآري حتى كأنه ... به عرةٌ من طائف غير معقب
فيومًا على سرب نقيٍّ جلوده ... ويومًا على بيدانةٍ أم تولب
فبينا نعاجٌ يرتعين خميلةً ... كمشي العذارى في الملاء المهدب
تراهن من تحت الغبار نواصلًا ... ويخرجن من جعدٍ ثراه منصب
فكان تنادينا وعقد عذاره ... وقال صحابي قد شأونك فاطلب
فلأيًا بلأيٍ ما حملنا غلامنا ... على ظهر محبوك السراة محنب
فللساق ألهوب وللسوط درة ... وللزجر منه وقع أهوج منعب
فأدرك لم يجهد ولم يثن شأوه ... يمر كخذروف الوليد المثقب
ترى الغار في مستنقع القاع لاحبًا ... على جدذ الصحراء من شد ملهب
خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهن ودق من عشي مجلب
فعادى عداء بين ثور ونعجة ... وبين شبوب كالقضيمة قرهب
وظل لقيران الصريم غماغمٌ ... يداعسها بالسمهري المعلب
فكاب على حر الجبين ومتقٍ ... بمدرية كأنها ذلق مشعب
وقلنا لفتيان كرامٍ ألا انزلوا ... فعالوا علينا فضل ثوبٍ مطنب
ففئنا إلى بيتٍ بعلياء مدرج ... سماوته من أتحمي معصب
وأوتاده مازيةٌ وعماده ... ردينيةٌ فيها أسنة قعضب
وأطنابه أشطان خوص نجائب ... وصهوته من أتحميِّ مشرعب
فلما دخلنا أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري جديد مشطب
كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواءٍ مضهب
ورحنا كأنا من جوائي عشية ... نعالي النعاج بين عدل ومحقب
وراح كتيس الربل ينفض رأسه ... أذاةً به من صائك متحلب
كأن دماء الهاديات بعرفه ... عصارة حناء بشيبٍ مخضب
وأنت إذا استدبرته سد فرجه ... بضاف فويق الأرض ليس بأصهب
وأنشد علقمة بن عبدة قصيدته التي مطلعها:
ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقًا كل هذا التجنب
ثم وصف الفرس والصيد بقوله:
وقد أغتدي قبل الشروع بسابحٍ ... أقب كيعفور الفلاة مجلب
عظيم طويل مطمئن كأنه ... بأسفل ذي ماوان سرحة مرقب
كميت كلون الأرجوان نشرته ... لبيع الرداء في الصوان المكعب
ممر معقد الأندري يزينه ... مع العتق خلقٌ مفعم غير جانب
له حرتان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي مذعورة وسط ربرب
وجوف هواء تحت متن كأنه ... من الهضبة زحلوق ملعب
قطاة ككردوس المحالة أشرفت ... إلى سند مثل الغبيط المذأب
وغلب كأعناق الضباع مضيغها ... سلام الشظى يغشى بها كل مركب
وسمر يفلقن الظراب كأنها ... حجارة غيل وارسات بطحلب
إذا ما اقتنصنا لم نخاتل بجنةٍ ... ولكن ننادي من بعيد ألا اركب
1 / 40