يتوقف وجود أحدهما فيكون بعد وجود الآخر بل توجدهما معا العلة الموجدة لهما والمعنى الموجب إياهما معا فإن كان لأحدهما تقدم وللآخر تأخر مثل الأب والابن فنقدمه من جهة غير جهة الإضافة فإن تقدمه من جهة وجود الذات ويكونان معا من جهة الإضافة الواقعة بعد حصول الذات ولو كان الابن يتوقف وجوده على وجود الأب والأب يتوقف وجوده على وجود الابن ثم كانا ليسا معا بل أحدهما بالذات بعد لكان لا يوجد ولا أحد منهما وليس المحال هو أن يكون وجود ما يوجد مع الشيء شرطا في وجوده بل وجود ما يوجد عنه وبعده.
فصل آخر في التجرد لإثبات واجب الوجود وبيان أن الحوادث تحدث بالحركة ولكن تحتاج إلى علل باقية وبيان أن الأسباب القريبة المحركة كلها متغيرة وبعد هاتين فإنا نبرهن أنه لا بد من شيء واجب الوجود لأنه إن كان كل موجود ممكنا فإما أن يكون مع إمكانه حادثا أو غير حادث فإن كان غير حادث فإما أن يتعلق ثبات وجوده بعلة أو بذاته فإن كان بذاته فهو واجب لا ممكن وإن كان بعلة فعلته معه والكلام فيها كالكلام في الأول وإن كان حادثا وكل حادث فله علة في حدوثه فلا يخلو إما أن يكون حادثا باطلا مع الحدوث لا يبقى زمانا وإما أن يكون إنما يبطل بعد الحدوث بلا فصل زمان وإما أن يكون بعد الحدوث باقيا والقسم الأول محال ظاهر الاحلة - والقسم الثاني أيضا محال لأن الآنات لا تتالى وحدوث أعيان واحدة بعد الأخرى متباينة في العدد لا على سبيل الاتصال الموجود في مثل الحركة يوجب تتالي الآنات وقد بطل ذلك في العلم الطبيعي ومع ذلك فليس يمكن أن يقال إن كل موجود هو كذلك فإن في الموجودات موجودات باقية بأعيانها فلنفرض الكلام فيها " فنقول " إن كل حادث فله علة في حدوثه وعلة في ثباته ويمكن أن يكونا ذاتا واحدة مثل القالب في تشكيله الماء ويمكن أن يكونا شيئين مثل الصورة الصنمية فإن محدثها الصانع ومثبتها يبوسة جوهر العنصر المتخذة منه ولا يجوز أن يكون الحادث ثابت الوجود بعد حدوثه بذاته حتى يكون إذا حدث فهو واجب أن يوجد ويثبت لا بعلة في الوجود والثبات ولنأخذ في بيان أن كل حادث فإن ثباته بعلة ليكون مقدمة معينة في الغرض المذكور قبله فإنا نعلم أن ثباته ووجوده ليس واجبا بنفسه فمحال أن يصير واجبا بالحدوث الذي ليس واجبا بنفسه ولا ثابتا بنفسه ووجوب ثباته بعلة الحدوث إنما كان يجوز لو كانت العلة باقية معه - وأما إذا عدمت فقد عدم مقتضاها وإلا فسواء وجودها
صفحه ۱۹۴