فأخبر سبحانه: أن المحكم هو أم الكتاب وأصله الذي يرد المتشابه إليه؛ لأن الأم في اللغة هو الأصل الذي يرجع إليه، ومن ثم سميت الأم أما؛لأن أولادها يرجعون إليها، ومن ثم سميت مكة: أم القرى؛ لأنها أصل القرى ويرجع إليها جميع المسلمين.
ثم أخبر تعالى: أن المتشابه سوف يتبعه الذين في قلوبهم زيغ ليصدوا الناس عن الحق والمحكم، ويفتنوهم عن الدين والعقيدة الصحيحة ويتأولونه على ما يوافق أهوائهم.
ثم أخبر أنه لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، حيث أنهم يقولون:{ آمنا به كل }من المحكم والمتشابه {من عند ربنا }؛ فإذا كان كله من عند الله فلا يجوز أن يخالف بعضه بعضا، ولا أن يناقض بعضه بعضا؛ لأن الله سبحانه يقول: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا(82)} [النساء].
فلما آمنوا بأن {كل من عند ربنا} حملوا المتشابه على المعاني التي تتوافق مع المحكم من الكتاب.
ثم ذكر الله أنه {ما يذكر إلا أولوا الألباب } وصدق الله فإن من أقفل على نفسه باب التفكير والنظر بعقله ولبه، لا يمكن أن يهتدي إلى حق ولا أن يتراجع عن باطل، فقد ختم الله هذه الآية بما يهدي ذوي الألباب إلى معرفة المراد بها، وهو أن قضية المحكم والمتشابه ليست مما استأثر الله بعلمه، ولكنها تحتاج إلى رسوخ في العلم واستعمال للعقل.
صفحه ۲۳