فاضطربت مرسلين؛ إذ توقعت أنها ستكون السبب في نكبة جديدة، وقالت: لقد عرفت من عهد بعيد أنك تحبني، ولكني كنت أرجو ألا تعود إلى هذا الحديث. - ثقي أنك لا تسمعين مني كلمة يخجلك سماعها؛ فإني أراقبك منذ عامين بنفسي وبواسطة غيري، حتى أيقنت أن ظواهر سلوكك تنطبق على بواطنه، وإني أسألك المعذرة فقد كنت مضطرا إلى هذه الثقة قبل أن أقترح عليك ما سأقترحه الآن. - يحق لك أن ترتاب. - وقد علمت بالتدقيق كيف تعيشين، وأنك مثال الطهارة وخير قدوة للأمهات، وهذا الذي دعاني إلى زيارتك اليوم لأقول لك: إني أنا أيضا أرمل ولي طفل يتيم يحتاج إلى حنو أم، فهل تريدين أن تكوني امرأتي يا مرسلين؟
فوقفت وقد طاش صوابها لهذا الطلب الذي لم تكن تتوقعه، وجعلت تنظر إليه نظرات تشف عن الرعب، وهي لا تعلم ما تقول.
فابتسم لها فولون، وقال: إني لا أسألك أن تتسرعي بإجابتي دون إمعان، ولكني سأعود إليك بعد بضعة أيام، وكل ما أرجوه ألا تنسي في انتظار ذلك أني أحبك بملء جوارحي أصدق حب.
اعلمي يا مرسلين أنه ليس بيني وبينك ما يريب؛ فإن ماضيك لك وأنا واثق أنه ماض شريف، وسأنتظر صابرا إلى أن أصير زوجك فتقصي علي حكايتك، ولك الخيار بكتمانها إلى الأبد؛ فإن تكتمك لا ينقص ذرة من حبي، على أني لم أقترح ما اقترحته إلا بعد التروي الشديد، وإنك تعرفينني حق العرفان، فتعلمين أني أضحي كل عزيز في سبيل إسعادك.
فلم تجبه ، ولكنها جعلت تبكي، وكان بكاؤها لتأثرها من هذا الإخلاص، فودعها وقال: إلى اللقاء القريب يا مرسلين، وكل ما أرجوه في هذا الوجود أن تكوني أما لولدي وأكون أبا لولديك.
فلما انصرف هزت مرسلين رأسها وقالت: ويح لنفسي؛ فقد صرت السبب في شقاء رجلين، وكلاهما مخلص شريف، وكلاهما جدير بأن يكون سعيدا في هذه الحياة.
بعد ذلك بيومين ذهبت مرسلين إلى المعمل حسب عادتها في كل صباح، ودخلت إلى غرفة السكرتير لتعطيه ما اشتغلته ولتأخذ شغلا جديدا.
ولكنها حين دخلت إلى باب تلك الغرفة رأت رجلين خارجين من غرفة فولون وهما يتحدثان، فجمد الدم في عروقها؛ لأن الأول كان فولون، وأما الثاني فقد كان زوجها بوفور.
فأسرعت بالدخول إلى الغرفة، وجعلت تقول: رباه ما جاء به إلى هذا المعمل، ألعله يقتفي أثري فاهتدى إلي؟
وقد أطلت من النافذة فرأت الاثنين يتحدثان في الرواق، وتمعنت في وجه زوجها فانقبض صدرها إشفاقا عليه؛ فقد رأته هزيلا غائر العينين واليأس منطبع على وجهه، فلو مثل لما مثل بغير هذا الوجه.
صفحه نامشخص