أما زيارة بوفور لهذا المعمل فهي أن المعمل أذاع أن لديه مقدارا من الحديد للبيع، فجاء ليشتريه، وهو إنما يشتغل بالتجارة ليتعزى بها عن فراق مرسلين، وهيهات أن يسليه الانهماك في العمل، ولكنه كان يجرب.
وقد خرج مع فولون من المعمل، وسارا إلى جهة الترعة، فأقامت مرسلين مع السكرتير نحو ساعة في تسليم الشغل القديم واستلام الجديد، وانصرفت عائدة إلى المنزل.
عندما برحت مرسلين منزلها إلى المعمل أوصت ولدها بالانتباه إلى أخته الصغيرة، فأقام الطفلان هنيهة في البيت، ثم خطر لجيرار أن يتفرج على السفن الراسية في الترعة، فأخذ بيد أخته وخرجا إليها.
وقد وقفا ينظران إلى السفن وبجانبهما بوفور وفولون يتنزهان على الرصيف، فابتسم فولون حين رآهما وقال: إنهما ولدا امرأة صبية تشتغل عندي، ثم دنا من جيرار فقبله بينما كانت مودست تنظر إلى بوفور فحملها وقبلها، ثم أرجعها إلى الرصيف، فتنهد وواصل سيره مع فولون فلم يسيرا بضع خطوات حتى سمعا صياح الناس، فالتفتا، وعلما أن الطفلين المتماسكين زلت قدم أحدهما فهبط الاثنان إلى الترعة.
وكان بوفور وفولون يجيدان السباحة فألقيا بنفسهما إلى المياه، فأنقذ فولون جيرار وأنقذ بوفور ابنته مودست، وأسرع البحارة فحملوهم في القوارب إلى الشاطئ.
وكان الطفلان قد أغمي عليهما فعالجوهما حتى استفاقا، وطلب فولون إلى بوفور أن يصحبه لإرجاع الطفلين إلى أمهما، فاعتذر وقال له: اذهب وحدك أيها الصديق.
قال: ولكنك أنقذت أحد الطفلين، ولك الحق في شكر أمهما. قال: أية فائدة من ذلك فقد فعلت ما يقضي به الواجب الإنساني، وإني ذاهب لتغيير ملابسي ثم أعود إليك. - افعل ما تشاء، على أن ذلك لا يمنعني عن أن أخبر مرسلين لنجون بعنوانك.
فارتعش بوفور وقال: كيف تدعى هذه المرأة؟ - مدام لنجون. - أتعرفها منذ عهد بعيد؟ - منذ بضعة أعوام وأنا أحبها وسأتزوج بها.
فأطرق بوفور برأسه، وقال: ما هذا الخاطر الذي عرض لي! فلا شك أني مجنون.
ثم ودعه وانصرف. فذهب فولون إلى منزل مرسلين.
صفحه نامشخص