وزعم العماة أن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه حين أسري به تكذيبا للقرآن، وردا على الرحمن، واحتجوا بقول الله عز وجل :{ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى} [النجم:13 - 14]. فظنوا أنه رأى ربه، وإنما ذلك جبريل صلى الله عليه، رآه نبي الله على خلقته التي عليها جبل، ولم يره النبي صلى الله عليهما على تلك الخلقة قط إلا مرتين، جعل الله ذلك آية بينه وكرامة شريفة عالية، وذلك قوله عز وجل :{لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 18]. فأين الله عز وجل من آياته ؟! فكيف يتوهم أن النبي صلى الله عليه رأى الله، والله يقول :{رأى من آيات ربه الكبرى}، وليس الله سبحانه بالحوآس مدركا .
وتوهموا أن تجلي الرب سبحانه للجبل هو أن بدى للجبل وبرز له بذاته، من غير أن يكون للجبل من المقام في طاعته، والمنزلة الرفيعة، ما لموسى صلى الله عليه، مع ما اختص الله به موسى بكلامه تكليما، واستخلاصه إياه بالرسالة، ثم سأل موسى ومسألته لله أن يراه بزعمهم ذلك، وكان ذلك منه دليلا، ثم اختص الجبل الذي لم يكن الله كلمه تكليما، ولا اصطفاه برسالته فبدى له بذاته وبرز له متجليا، وخصه بكرامة لم يجعلها لجبريل ولا لميكائيل ولا للملائكة المقربين، ولا للمرسلين، وقد قال الله عز وجل: إن أولياءه غدا ينظرون إليه في جواره، ليس ذلك النظر إحاطة ولا تحديدا، بل ينظرون إليه من غير تحديد، وذلك النظر أفضل من دركهم.
والدرك دركان، فدرك هو المشاهدة والملاقاة جهرة.
صفحه ۳۲۹