والدرك الثاني ما يرد على القلب، وقد أدرك المؤمنون في الدنيا ربهم وعرفوه بقلوبهم، فلذلك أطاعوه، وذلك لما أحبوه. ولهم في هذا الدرك سرور ولا نعيب عليهم في السرور الذي نالوه من معرفة الدرك لله، والمؤمنون يتفاضلون في الدرك لله، وذلك بين فيما يرى منهم في اتصال السرور بالمعرفة، على حسب اتصال المعرفة بالقلب، وكلما ترقى العارف في معارج المعرفة ترقى في معارج السرور.
وقد ترى جمهور أمتنا يعلمون أن الله عالم بعلمهم، أن الله عالم، دركا به عرفوا الله، فهذا الدرك هو درك العلماء بالله، فإذا نزل بهم تفصيل معاني دقائق مسائل تدخل في الكلام في العلم، كان ذلك دركا هو عند العالمين بالله، الذين هم في معاني درجات العارفين بالله، فإذا أخذوا في ذلك العلم وجدوا في ذلك سرورا.
فالناس لا يستوون في درك الله في الدنيا في تفاضلهم، وكذلك يتفاضلون غدا في إدراك الله، للمعنى الذي ليس هو تحديد الله، فيكون الله يعطيهم من ذلك العلم ما لا يخطر على قلب بشر في الدنيا، مما فيه السرور والتنعم للعالمين بالله في الدنيا، ما لا يعطي كثيرا من سواهم من العلماء الذي هم دونهم، وقد عرفنا درك المؤمنين في الدنيا كيف هو . وأما درك المؤمنين في المعاد، فإنا لا نعلم كيف هو، لأنا لم نره وهو في الآخرة ثواب، والثواب مؤجل، وكلما كان من ثواب الله في الجنة فلا يعلم كيف هو إلا الله، إلا أنا نعلم أن معنى الدرك له في الجنة ليس بتحديد ولا إحاطة، فاعرف معاني الدرك واعرف فضل الدرك الذي يكون في الآخرة، على فضل الدرك الذي يكون في الدنيا .
ولو أمد الله عز وجل الأبصار بالمعونة، حتى تدرك أقل قليل نقطة من القطر في مدلهم ليل عاتم تحت الأرض السفلى، من أبعد غايات السماوات العلى، ما أدركت الأبصار الله، وكذلك لو أمدت الحوآس كلها بالمعونات حتى تدرك كل محسوس ما هجم منها شيء على الله سبحانه، تبارك وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
صفحه ۳۳۰