وإن هم سألوا عن التأويل للقاء الله ؟
قلنا لهم: إن الأعداء والأولياء كلهم ملاقوا ربهم، ولقاؤهم انبعاثهم من أجداثهم، ومصيرهم إلى معادهم يوم محشرهم، ويوم إلى الله مرجعهم.
وتأويل ما سألوا عنه من قول الله سبحانه :{إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}، وذلك أن الله عز وجل لا ينالهم برحمته وهم عن ربهم محجوبون، وترجمت هذه الآية آية أخرى قوله :{لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة} [آل عمران: 77]. أي: نظره إلى أوليائه برحمته، ولا يسمعهم كلاما لهم فيه سرور ولا فرح، ولا ينظر إليهم أي: لا ينيلهم رحمة ولا يأتيهم بفرح.
وقد أجمع أهل الصلاة أن الله لا ينظر إلى أعدائه، وهو يراهم في الحالة التي لا ينظر إليهم فيها، وفي ذلك دليل أن أوليآءه ينظر إليهم أي: يرحمهم، وهو يراهم وينظر إليهم برحمته، ونظره إلى أوليائه رحمته، وذلك نظره الذي كان لأوليائه ولم يكن لأعدائه، وكذلك ينظر أولياؤه إليه لا بمعنى جهرة وإحاطة منهم به، ولكن ينظرون إليه على خلاف التحديد والإحاطة، وقد قالت العرب: ما ننظر إلا إلى سيدنا.
وأجمع المسلمون على الدعاء إلى الله أن قالوا: اللهم انظر إلينا، والدعاء على عدوهم أن قالوا: لا ينظر الله إليهم، وليس ذلك سؤالا منهم له أن لا يراهم، وذلك أنهم يعلمون أن الله عز وجل يراهم، ولم يعلموا أن الله ينظر إليهم نظر رحمة ورضى، وقد علموا أن الله عز وجل يراهم ويرى كل شيء، وأن الأشياء كلها له جهرة، وإنما أراد المسلمون بدعائهم الله أن ينظر إليهم: أن يكرمهم ويجود برحمته عليهم.
واعلم أن الله عز وجل إذا مدح نفسه بمدحة لم يزلها عن نفسه في آخرة ولا دنيا، كذلك قال الله سبحانه :{لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103]. فالله لا يزيل مدائحه.
صفحه ۳۲۸