وكان مما احتج به القوم أن قالوا: إن موسى صلى الله عليه سأل ربه فقال :{رب أرني أنظر إليك}، وقد بينا ما أراد موسى بقوله :{رب أرني أنظر إليك}، ولم يكن ذلك سؤالا للنظر الذي هو رأي العين، بالإحاطة والتحديد جهرة، وقد رأينا الله عز وجل: ذكر في كتابه حدث موسى في قتله القبطي، وما أخبرنا سبحانه عن آدم صلى الله عليه في معصيته بأكل الشجرة، وسمعناه عز وجل يذكر في كتابه أحداث أنبيائه معيبا لأحداثهم، ولم يكن ما عاب من أحداثهم عند الله موبقا ولا كبيرا، بل كانت أحداث أنبيائه صغائر، ولم تكن بكبائر، وكان الله عز وجل يأخذهم في عاجل الدنيا من أجل أحداثهم التي لم تكن بكبائر، حبس بعضهم في الظلمات في جوف الحوت، وبمعان ذكر الله عز وجل في كتابه وكيف صنع ببني إسرائيل، ولم ينجهم من الله إلا النقلة عن صغائرهم والاستغفار بالإنابة والندم، وقد سأل قوم موسى فقالوا :{أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة} [النساء: 153] ليكون في ذلك مزدجر للآخرين، وليحذروا مصارع الذين سألوا رؤية الله جهرة فأخذتهم الصاعقة، فزجر الله العباد عن السؤال عما يضاهي ما سأل القوم نبيهم صلى الله عليه من رؤية الله جهرة.
فكيف يتوهم أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم، سأل ربه مسألة القوم الذين أخذوا بالنقم، لأجل تلك المسألة التي سألوا موسى أن يريهم الله جهرة، وقد علم موسى أن سؤالهم عن ذلك شرك، وقد نهى موسى قومه عن معاني الشرك كلها، ولم يكن صلى الله عليه ليخالفهم إلى ما نهاهم عنه، لأن مسألة القوم له كفر، ولا يجوز أن يتوهم على موسى أن يسأل الله مسألة هي كفر، ولو كانت مسألة موسى على ما يتوهم المشبهون لنزلت به من العقوبة مثل ما نزل بغيره، ولغلظ الله عليهم تغليظا يعلم العباد أنه أكبر من الصغائر، وفي تكفير الله عز وجل الذين قالوا :{أرنا الله جهرة} إخراج مسألة موسى من معنى رؤية الجهرة، وإخراجه من جهل القوم بالله.
صفحه ۳۲۴