وقال الله تبارك وتعالى يخبر عن أعدائه، إنه لا ينظر إليهم ولا يكلمهم فيها وفي الحالة التي لا ينظر إليهم الله يراهم، وقوله :{لا يكلمهم الله} أي لا يسألهم، وقد كلمهم بما فيه حزنهم، وإن العالمين بالرب علم اليقين عاينوا بيقينهم القيامة، وأبصروا وجوها مسودة، وقد علاها القتر والعبوس، جزاء بما كانوا يصنعون، فراعهم ما أبصروا بيقينهم من تلك المفضعات، فحذروا أن يكونوا: من الذين قال الله :{وجوههم مسودة} [الزمر: 60] و:{عليها قترة} فلم يكذبوا على ربهم إذ سمعوه عز وجل يقول :{لا تدركه الأبصار}، وهذه مدحة لله وحسن ثناء عليه وتعظيم له، فاستيقنوا أن الثناء والمدح عن الله غير حائل في الدنيا ولا في الآخرة، وأبصروا بيقينهم في القيامة إلى وجوه ابيضت، فهي ناضرة مستبشرة ضاحكة مسفرة، إلى ربها ناظرة في روح وجنات عالية، يخبرون فيها بصدقهم عن الله في القول والعمل له، والموافقة له في الأيام الخالية، فلذلك وضع القوم كلامهم من ربهم حيث وضع الرب، ولم يقولوا بغير ما قال الله لهم، وقالوا: كما قال لهم ربهم إلى ثواب ربها ناظرة، ولم يقولوا لربها مجاهرة.
وإنما الشيء إذا جوهر نظر إليه بالعيان لا بالوجه، لأن الوجه غير العين، ولو كان ما قالوا على ما ادعوا لقال الله في كتابه أعين إلى ربها ناظرة، لأن الوجه لا يرى ولا يبصر، وإنما البصر للرؤية والعينين اللتين في الوجه، فهذه معان لطيفة مفصلات في النظر.
وقد قال إبراهيم الخليل، لابنه إسماعيل، صلى الله عليهما :{إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات: 102]. وليس ذلك رؤية حس، ثم قال: انظر ما ذا ترى، ولم يرد إدراك العين ولا إحاطة البصر، في قوله: ما ذا ترى في الذبيح أن يسلم لربه نفسه، ويجود له بها، فرأى موافقة أبيه في طاعة ربه بما أمره، فأمكنه من ذبحه واستسلم لربه، وليس ذلك النظر بالعين ورؤيتها.
صفحه ۳۲۳