لا يزال وإن كانت له سعة .... إلى الذي راه لم يظفر به نظر ولذلك تقول: رأيت حلم زيد وعقل عبد الله، وإنما رأيت الحلم والعقل بأفعال لهما، مع أشياء كثيرة، مما يجوز في اللغة، كقولك انظر إلى شدة غضبه، وانظر إلى شدة فرحه، وانظر إلى همه وعداوته، وهذه كلها روحانيات خفيات لا تدرك بأنفسها وقد تدرك بأفعالها، ويقال: رأينا غضبه ورضاه وما أشبه ذلك.
وقال الله :{ألم تر كيف فعل ربك بعاد} [الفجر: 7] والذي قيل له: ألم تر هو النبي صلى الله عليه، وإنما النبي بعد قرون قبلها عاد، فرأى كيف فعل ربه سبحانه بعاد، ولم ير ذلك بعيان جهرة. وقال :{ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} [التوبة: 45]. وقال إبراهيم الخليل صلى الله عليه :{رب أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 200]. وقد رأى كيف أحياه الله من نطفة، ولكنه أراد أن يريه الله كيف يحيي الموتى من وجه من الوجوه، الذي عاين من إحياء الله سبحانه الأجسام الميتة من النطف وغير النطف.
وكذلك سأل موسى صلى الله عليه ربه فقال :{رب أرني أنظر إليك} [الأعراف: 43]. ومعناه ومعنى الخليل صلى الله عليهما في نفس النظر سواء، لأنهما أرادا أن يعاينا بأبصارهما من معالم الله وآياته ما لم يزل الله يملك من العالم والآيات، إلا أن موسى صلى الله عليه عاص فيما سأل من قبل أنه سأل الله آية ليست من آيات الدنيا، ولم يكن له أن يسأل تلك الآية. وسأل إبراهيم ربه آية من آيات الدنيا ، فلذلك لم يكن في سؤال الله عاصيا، وإبراهيم وموسى في سؤالهما وقولهما لم يسألا ربهما أن يرياه جهرة لمعنى ما يرى البشر البشر، لأن ذلك شرك، ولم يكن إبراهيم وموسى صلى الله عليهما بمشركين، والله لا تدركه الأبصار، وقد علما ذلك، وكان موسى أعلم بالله من أن يسأل ربه أن يعاينه جهرة، بل أراد: أن ينظر إليه بآية يحدثها له فيراه، ليست من آيات الدنيا، ثم يكون له آية مرتجحة لا يحتملها الناس لو شاهدوها في الدنيا، إلا أن يزاد في قوى حواسهم .
صفحه ۳۱۹