(الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى)
عن ذلك)
الحمد لله الذي يدرك الأبصار، ولا تدركه الأبصار، وهو الواحد المتكبر، العزيز القهار :{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. زعم قوم من أهل الجهل أن العباد غدا يعاينون ربهم جهرة، ينظرون إليه كما ينظر بعضهم بعضا، محاطا به محدودا، وتأولوا قول الله عز وجل :{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22]. وقوله :{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 16]. وقوله :{إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 14] وقوله: يخبر عن موسى عليه السلام :{رب أرني أنظر إليك} [الأعراف: 43]، ونحن مقرون بالنظر من أولياء الله في جنته على غير تحديد ولا إحاطة، جل الله وعز وتعالى علوا كبيرا.
والنظر له في لغة العرب معان:
أحدها: أن يلاقي الشيء جهرا، ويحيط به بالعيان بإدراك وتحديد، فيقال نظر إليه، وعوين وأدرك وأبصر وجوهر.
ومعنى آخر: من معاني النظر لا بالعيان من بصر البصر، ولكن ينظر إليه بأفعاله، ومن ذلك قول العرب: انظر إلى شرائع الدين ما أحسنها، انظر إلى كلام عبد الله ما أفصحه وأبينه، انظر إلى ما صنع الله بعباده، وانظر إلى الذين جابوا الصخر بالواد ماذا صاروا إليه، فتجيب العقول له قد نظرت إلى ذلك كله ورأيته، لا بعيان البصر.
ويقال: إنه قد نظر في لغة العرب وما ينظر فلان إلا إلى الله، ثم إلى محمد، ويقول: ما ينظر إلا إلى عبد الله، وعبد الله غائب . ومن ذلك النظر إلى الشيء بأفعاله وآياته لا بروحه وشخصه، وتقول: رأيت نفس زيد حين خرجت لا تريد بذلك نظر العين للروح، ويقال: رأيت عقل زيد صحيحا، ونظرت إلى عقله، فرأيت عقلا حسنا .
والعقل روحاني لا يرى بالعيون، لأنه ليس بشبح ولا لون ولا جسم، ويقال: أحسنت النظر وأسأت النظر.
ومن ذلك قول الشاعر:
صفحه ۳۱۸