فقيل لموسى: إن بنيتك لا تحتمل ما سألت، واعرف ذلك بهذا الجبل فإنه أعظم منك خلقا، وأشد منك قوة، وأشمخ منك طولا وعرضا، انظر إليه كيف يعجز عن إدراك ما سألت مثله، ولم يكن الجبل بذي عقل، والله تبارك وتعالى لا يتجلى إلا بالتجلي الذي به يدرك، ولن يدرك من ربنا إلا جلالته وآياته وتدبيره وصرفه، فبذلك يتجلى الله، وذلك بأنه سبحانه ليس بشخص. أحدث في الجبل عقلا يدرك به ما يتجلى له، فإن الله تبارك وتعالى أحدث آية فتجلى الله للجبل وجعلها آية سماوية ولم تكن أرضية . وقال بعض العلماء أبرز بعض العرش للجبل، رواه يوسف بن الأسباط، عن الثوري، وذلك قوله :{فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} [الأعراف: 143]. فعرف الجبل ربه بتجلي الرب له بما أظهر له، فعظم الجبل الله فبلغ من تعظيم الجبل لله أن تقطع وساخ وذهب. وإن الله جعل ذلك موعظة للقلوب القاسية لتلين، والقلوب الناكرة لتسترشد، ولئن ترجع القلوب إلى ربها بشدة الفكر والتعظيم لله العظيم.
فقال لموسى :{لن تراني} [الأعراف: 143] من وجه ما سألت، لأن التجلي إنما يكون من وجه يدرك من المتجلي. فتجلى الأشخاص للأبصار، ولا تجلى لغير الأدوات من الأسماع والآذان والملامس، وقد تجلى الأصوات للأسماع، وإنما يتجلى المتجلي من وجه ما يدرك به، فقد يقول السامع للكلام، قد تجلى لي هذا الكلام، ولا يراد به عيان البصر .
صفحه ۳۲۰