ملوک الطوائف و نظرات در تاریخ اسلام
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
ژانرها
ومن المحقق الذي لا يرتاب المرء فيه أن المعتمد يهتز أريحية ، ويفيض إعجابا بكل حاضر البديهة ذكي الفؤاد شاعرا كان أو غيره، ولو كان لصا من قطاع الطريق، ومما يقوم دليلا على صحة ذلك حكاية البازي السنجابي، والبازي السنجابي - وقد حدثوني عنه بهذا اللقب - ما برح مدة طويلة أكبر لص في عصره، وكان بلاء عظيما قد أوقع الرعب والرهبة في سكان البوادي إلى أن أوقعه القدر المتاح في قبضة العدالة، فقضى عليه المعتمد أن يصلب على مرأى من الفلاحين في الطريق الأعظم، ليشهدوا ما حل به من خزي ونكال، ولما كان اليوم الذي حكم عليه فيه بالصلب قائظا، والحرارة خانقة، فقد قل مرور الناس بالطريق، وكان قد وقف بأسفل الخشبة التي صلب عليها اللص زوجته وبناته يبكينه بدموع حارة ويقلن صارخات: «يا أبتاه على من تتركنا إذا نفذ فيك سهم القضاء، إننا بلا شك سنموت بعدك جوعا.» وكان البازي السنجابي - على وحشيته وفظاعته - غاية في الشفقة والحنو على أسرته، فتوزعت نفسه فكرة مصيرها إلى الشقاء، وصيرورتها إلى الفاقة والمتربة.
ومر عليه في هذه اللحظة تاجر غريب الدار يحمل على بغل عدلين من القماش وبعض بضائع أخرى جاء ليبيعها في القرية القريبة فاستوقفه، وقال له: «إني أيها السيد، كما ترى في موقف من أسوأ المواقف، وفي حالة يرثى لها، وفي وسعك أن تقوم لي بخدمة جليلة تعود عليك قبل غيرك بأجدى الفوائد، وأجزل العوائد.»
فسأله التاجر: «وما عسى أن تكون تلك الخدمة التي أقوم لك بها؟» - «هل تعرف ذلك الجب البعيد هناك؟» - «نعم أعرفه.» - «حسن جدا، فاعلم أني في اللحظة التي استولت علي فيها الغفلة وتركت نفسي أقع في قبضة أولئك الشرطة الملعونين، ألقيت مئة مثقال من الذهب في ذلك الجب، فإذا سمحت نفسك ورضيت أن تنطلق، وتبذل كل ما في وسعك في استخراجها، فإني أهبك نصفها متى ظفرت بها، وها هي زوجتي وبناتي يقمن على حراسة بغلك حتى تفرغ من هذا العمل الذي فيه إنقاذ أسرة من مخالب الجوع.»
واستهوت التاجر شهوة الحصول على الربح، فمضى سريعا، وربط عند حافة الجب حبلا، ودلى نفسه فيه حتى وصل إلى قاعه، ولما اختفى في البئر أسرع البازي السنجابي وقال لزوجته: «أسرعي واقطعي الحبل، وخذي البغل وخفي مسرعة أنت والبنات، واهربن جميعا واختفين عن الأنظار.»
وتم كل هذا في أقل من لمح البصر، وطلع التاجر من البئر بخفي حنين فوجد بضاعته قد استقلت المرأة وبناتها معها، وأدرك أنه لا يستطيع اللحاق بهن، فجعل يصيح كالمأخوذ، ولكون صيحاته ذهبت هباء في ذلك الجب العميق، وفي بسيط من الأرض لا أنيس به ولا مغيث، فقد مضى وقت طويل دون أن يجد أحدا يتقدم لإنقاذه، وبعد لأي خرج من سجنه، وتلاحق الناس لإنقاذه من ذلك القرار البعيد الغور في طبقات الجب السفلية وهم يسألونه في دهشة عن سبب تدليه في ذلك الجب، وهو يشكو سوء الطالع، ويندب حظه المشئوم، ويرسل في إثر بضاعته الضائعة دموعه الغزيرة الحارة، ويصب جام غضبه ولعناته المتتابعة على ذلك اللص المصلوب البالغ النهاية في الخبث والدناءة والمكر والخديعة، وسرعان ما ذاع الخبر وتناقله الناس في المدينة حتى بلغ أسماع المعتمد نفسه الذي أصدر أمره في الحال بإنزال البازي السنجابي من فوق خشبة الصلب، والإتيان به في حضرته.
ولما مثل بين يدي المعتمد صوب فيه بنظره وصعد ثم قال: «من المحقق الذي لا ريب فيه أنك أكبر محتال، وأدهى ماكر خبيث عرف حتى الآن، إذ إن ترقب الموت الذي لا محالة واقع بك، لم يصدك على الالتجاء في هذا الوقت الرهيب إلى المكر السيئ، والإيقاع بذلك التاجر المسكين في حبالتك.»
فأجابه اللص: «عفوا يا مولاي الملك! إنك لو علمت أية لذة تلك التي يشعر بها الإنسان عندما يكون لصا، لوضعت هذا التاج عن رأسك، وألقيت معطفك هذا الملكي عن منكبيك، ولما كنت إلا لصا مثلي.»
فأغرب الملك في الضحك، وقال: «ألا لعنة الله عليك من لص داه خبيث، ولكن أصخ إلي بسمعك لأتحدث إليك مليا، وسأكون في حديثي معك جادا لا هازلا ، هب أني وهبتك الحياة، ورددت إليك حريتك السليبة، وهيأت لزوجك وبناتك أسباب العيش من طريق شريف، وأجريت عليك راتبا يكون لك ولعيالك سدادا من عوز أكنت تصلح من نفسك، وتثوب إلى عقلك ورشدك، وتعدل عن هذه المهنة الخطرة الحقيرة الممقوتة؟»
فقال: «إن الإنسان - في سبيل إنقاذ حياته - يفعل كل ما في استطاعته فعله، وإذا كان إنقاذ حياتي - وهي أثمن شيء عندي - متوقفا على استقامتي وصلاحي وابتعادي عن الشرور والمفاسد، فإني أعدك أيها الملك، وعدا صادقا أن أكون عند ظنك بي، فهل يسرك مني هذا؟»
وقد بر البازي السنجابي بوعده حين عينه المعتمد رئيس شرطته، وأوقع الرهبة والرعب في نفوس أولئك اللصوص الذين كانوا زملاءه بالأمس، وبدل الخوف الذي كان ينتاب الفلاحين من قبل أمنا.
صفحه نامشخص