موجز
الموجز لأبي عمار عبد الكافي تخريج عميرة
ثم نحن مع هذا كله سائلوا القوم بما لا جواب لهم فيه، ولا قبل لهم به إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله، فنقول لهم: أخبرونا عن أهل هذه الملل؟ أليسوا مكذبين للرسل، جاحدين لحجج الله التي دل بها على رسالتهم، منكرين لمعجزاتهم، وآياتهم؟ فلا بد من بلى، فيقال لهم: أخبرونا عن هذه الآيات التي أعجز الله بها خلقه عن الإتيان بها وبأمثالها، ولو كانوا على ذلك متظاهرين (¬1) أهي مما يحتمل البشر أن يأتوا به أو بمثله، أو مما لا يحتملونه؟ فإن قالوا: مما يحتملونه قيل لهم: فلم صارت إذا آيات ومعجزات إذا كان البشر يأتون بها وبأمثالها؟ فيجب على هذا المعنى أن تكون غير دالة على صدق من ظهرت على يديه، وهذا مما لا يقول به إلا الجاحد لها، المكذب بصدقها. فإن قالوا: إنها مما لا يحتمل البشر أن يأتوا به ولا بمثله، قيل: فكيف لا يشرك من نفاها عن الله عز وجل، وأضافها إلى سواه من الخلق، كما أشرك من نفى عنه خلق هذه الأجسام، وأضاف ذلك إلى غيره من خلقه، وكلا الأمرين في باب إعجاز الخلق وامتناعهم عن إيجاد مثله سواء، أو ليس إذا اتفقت العلل، واستوت الصفات فذلك هو الذي يوجب التسوية بين الحكم؟ ولا أعلم للقوم في هذه المسألة جوابا إلا بمثل هذيان، فيقولون: لو كان الجاحدون لهذه المعجزات أقروا بأنها لا يحتملها إلا الله، ثم كذبوا بأنها من عند الله كانوا قد أشركوا.
¬__________
(¬1) قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) سورة الإسراء آية رقم 88. راجع ما كتبه القرطبي، باب ذكر نكت في إعجاز القرآن وشرائط المعجزة وحقيقتها 1: 69 وما بعدها.
صفحه ۱۸۵