محمد علی جناح
القائد الأعظم محمد علي جناح
ژانرها
إن الكيماوي الذي يجرب فعل المواد في الأجسام يعزلها واحدا فواحدا؛ حتى يتسنى له الجزم بفعل كل مادة في الجسم الذي يختبره.
والأمم الشرقية والغربية قد اختلطت فيها عوامل الوطنية والجامعة الدينية والتيارات الخارجية وحروب الطبقات والطوائف، فكل ما ينسب فيها إلى فعل عامل من هذه العوامل يجوز أن يشترك فيه عامل آخر، ويصعب تقدير الباعث فيه والغاية على وجه صريح خلو من اللبس والاختلاط.
بيد أن تاريخ الهند قد عزل التيارات الخارجية بعد سيطرة المستعمرين على البلاد الهندية، فكل ما وصل إليها من تيارات الخارج فإنما كان سلطان أولئك المستعمرين، أو مما يأذن به ذلك السلطان.
هذا الذي عنيناه حين قلنا: إن تاريخ الهند الحديث، خاصة، قد تكفل بعزل كثير من العوامل التي توقع اللبس في ذهن المؤرخ؛ فلا يدري متى تعمل مشتركة ومتى تعمل على انفراد.
ومن أثر هذا العزل في دراسة تاريخها أن امتحان دلائل القصد أو المصادفة في التاريخ يتيسر هنا بأقل ما يمكن من دواعي اللبس والإشكال.
عرضنا لهذه المسألة في كتابنا عن غاندي فسألنا: «هل للتاريخ الإنساني وجهة معينة نستطيع أن نتبينها من جملة الحوادث الماضية؟»
وقلنا: إنه سؤال يتوقف جوابه على سؤال آخر وهو: ماذا عسى أن تكون وجهة التاريخ المعقولة إذا تخيلنا له اتجاها يتوخاه على نهج مرسوم؟
والجواب: شيء يتعلق بالفرد، وشيء يتعلق بالناس كافة أو بالإنسانية جمعاء، فالشيء الذي يتعلق بإتجاه الإنسان الفرد هو ازدياد نصيبه من الحرية والتبعة، والشيء الذي يتعلق بالإنسانية جمعاء هو ازدياد نصيبها من التعاون والاتصال.
وزيادة نصيب الفرد من الحرية والتبعة هو المطلب الشامل الذي تنطوي فيه جميع المطالب، فهو أشمل من القول بازدياد العلم أو ازدياد القوة أو ازدياد الفضائل والملكات؛ لأن هذه الخصال كلها تتمثل في زيادة استعداده لحق الحرية وزيادة قدرته على احتمال التبعة.
وكذلك يقال عن التعاون بين عناصر الإنسانية برمتها، فهو أشمل من القول بارتقاء النظم السياسية وارتقاء المعاملات التجارية، وارتقاء الأخلاق الاجتماعية؛ لأن هذه الخصال كلها تتمثل في التقارب بين الأمم والتعاون بينها على وسائل الوحدة والاتصال.
صفحه نامشخص