77

محمد علی جناح

القائد الأعظم محمد علي جناح

ژانرها

هذا يرى القوة في تحطيم الصناعة الكبرى، وذاك يرى القوة في تأسيس هذه الصناعة الكبرى وتدعيمها.

هذا يعول على المقاومة «السلبية» على شرعة الاهمسا، وذاك يعول على التنظيم والتأهب بالجماعات المنظمة للعمل في حينه، وكما تقتضيه دواعيه.

هذا يسميه قومه «المهاتما» وذاك يسميه قومه القائد الأعظم، وفي مفترق التسمية مفترق المسميات، كأبعد ما يكون الافتراق.

لم يختلفا قط إلا في عقيدة الضمير، ولم يتفقا في شيء قط بعد ذلك، حين دخلا في ميدان العمل الحاسم، وكلاهما مخلص لعمله بغير جدال.

والرجلان في هذا مثالان صادقان للأمتين: أمة الهند الكبرى من البرهميين، وأمة الباكستان الناشئة من المسلمين.

لم تكن الوحدة الجغرافية هى التي فعلت فعلها الأكبر في نشأة الباكستان، فإنها شطران من الأرض بين الشرق والغرب يفصلهما أكثر من ألف ميل.

ولم تكن الوحدة الاقتصادية هي التي فعلت فعلها الأكبر في نشأتها؛ لأن السكان في شرقها يزدحمون كل سبعمائة في الميل المربع، ولا يزيدون في غربها عن مائة في الميل، ومحصولاتها الرائجة تصنع في غير مصانعها، ومنها جهات لا محصولات فيها ولا صناعات، وجهات تتعلق مرافقها بالشقة الأخرى من الهند البرهمية.

ولم يكن جنس السلالة هو الفارق بين الهند والباكستان، فإن محلل الدم لو أغمض عينيه وحلل دم ألف من أهل الباكستان، ودم ألف من أهل الهند لخرج من التحليل بنتيجة متقاربة، أو لكان الفارق بينهما كالفارق بين ألف من الباكستان وألف أيضا من الباكستان.

وليس في وسع أحد أن يبرز عاملا واحدا مفسرا للتاريخ كما برز عامل العقيدة وحدها في الباكستان، فهو العامل الموجود حيث تختفي جميع العوامل أو توجد على ضعف وتفرق، وهو العامل الذي قام وحده في وجه كل العوامل، فكان له قضاؤه الذي لا مرد له ولا معقب عليه.

ويترائى لنا من مراجعة التاريخ الحديث خاصة في بلاد الهند أن هذه البلاد ساحة لا نظير لها لتحرير الأصول التاريخية التي يصعب تحريرها في أكثر بلاد العالم؛ لأن تاريخها قد تكفل بعزل كثير من العوامل التي توقع اللبس في ذهن المؤرخ فلا يدري متى تعمل مشتركة، ومتى تعمل على انفراد.

صفحه نامشخص