============================================================
سوى القرآن، بيد آن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن منطلق فهمقم لمقاصد النى الكريم، واستيعاهم لحقائق التنزيل، أدركوا أن قصده من هذا النهي توجيه الناس للعناية بكتاب الله، حتى لا يصرفهم عنه صارف، فحصروا همهم على القرآن، وشغل الكتاب المعجز الناس عن حفظ غيره من الكلام.
وكان الصحابة في مضمار الاجتهاد درجات، بين سابق ولاحق، إذ يذكر ابن خلدون أهم لم يكونوا كلهم أهل فتيا، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم، وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن، العارفين بناسخه ومنسوخه، ومتشاهه ومحكمه، وسائر دلالاته بما تلقوه من النبي صلي الله عليه وسلم، أو ممن سمعه منهم من عليتهم، ولذلك كانوا يسمون بالقراء اي الذين يقرؤون الكتاب، لأن العرب كانوا أمة أمية، فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ، ""وبقي الأمر كذلك صدر لملة ثم عظمت أمصار الإسلام، وذهبت الأمية من العرب بممارسة الكتاب وتمكن الاستنباط، وكمل الفقه وأصبح صناعة وعلما، فبدلوا باسم الفقهاء والعلماء من القراء"(1).
ثم دعت الحاجة إلى الاشتغال بآراء الأئمة والمجتهدين، وحفظ تلك الاراء في السطور بعدما وعتها الصدور، خشية اندئارها عضى الزمن، فيحرم المسلمون من خير لا يقدر بثمن، خير فقه الأئمة للوحى المنزل، وتطبيقهم لنصوصه في الواقع، وسعيهم لصبغ الحياة بأحكام الدين، واحتضان المجتمع في رحاب الشريعة السمحاء.
من هنا كان المنطلق لبناء صرح الفقه الشامخ، فبذلت جهود خارقة متضاقرة لرصد تلك الآراء، وحفظها للأجيال، فحازت مدونات الفقه (1) - ابن خلدون، المقدمة، فصل نشأة علم الفقه، ص313.
صفحه ۹