157

معجز احمد

اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

ژانرها

بلاغت
والثالث: على التمييز؛ لأن قوله: ركبت الناس احتمل الركوب والاستيلاء والقهر، ففسره بالمعنى المقصود، ونصبه على التمييز كقولهم: امتلأ الإناء ماءً. فالعيس أعقل من قوم رأيتهم ... عما يراه من الإحسان عميانا تقديره: فالعيس أعقل من قوم رأيتهم عميانًا، عما يراه الممدوح من الإحسان، وما يأتيه من الكرم والشرف، وذلك مأخوذ من قوله تعالى: " إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلًا ". ذاك الجواد وإن قل الجواد له ... ذاك الشجاع وإن لم يرض أقرانا يقول: نحن نصفه بالجود، وذلك أقل أوصافه، ونصفه بالشجاعة، وهو لا يرضى قرينًا ينازله؛ لأن الشجعان دونه ولا يستطيعونه. ذاك المعد الذي تقنو يداه لنا ... فلو أصيب بشيءٍ منه عزانا المعد: المدخر. أعد واستعد: بمعنى. وروى: المعد، وهو الذي أعد لريب الزمان. وقنوت الشيء أقنوه: إذا اكتسبته. يقول: إنه يجمع الأموال ليفرقها علينا، فنحن أحق بها منه، فإذا أصيب بشيء من ماله عزانا عليه؛ لأنه لنا دونه، وإن كان في يده. خف الزمان على أطراف أنمله ... حتى توهمن للأزمان أزمانا يقول: هان الزمان على أنامله، فيصرفه كيف شاء، كما يصرف الزمان أهله، فكانت أنامله أزمنة للأزمنة. ومثله قول الآخر: أنت الذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدهر من حالٍ إلى حال يلقى الوغى والقنا والنازلات به ... والسيف والضيف رحب الباع جذلانا النازلات: مصائب الدهر. ورحب الباع: واسع القلب. الجذلان: المسرور. يعني: أنه لا يضيق صدره بحوادث الدهر النازلة. تخاله من ذكاء القلب محتميًا ... ومن تكرمه والبشر نشوانا قوله: محتميًا، من الاحتماء، وهو قلة الأكل ومعناه: من فرط ذكائه. كأنه محتم من الطعام؛ لأن قلة الأكل تحد الفهم، وتقوى الحواس، كما أن كثرة الأكل تعمي القلب. وقيل: ملتهبًا أي من الحمى، والحرارة، ومعناه: أنه من حدة ذكائه كأنه متوقد، ومن كثرة كرمه وبشره وسهولة خلقه كأنه سكران. وتسحب الحبر القينات رافلةً ... في جوده وتجر الخيل أرسانا الحبر: جمع حبرة وهي ضرب من ثياب بدوية وقينات: جمع قينة وهي الجارية مقنية. ورافلة! متبخرة. يقول: إنه يحب القينات يجليهن حللهن فهن يسحبن ذيولهن وآلاتهن والخيل يسحبن أرسانهن. يعطي المبشر بالقصاد قبلهم ... كمن يبشره بالماء عطشانا يقول: إنه يعطي من يبشره بالقاصدين، قبل إعطائه القاصدين، وقبل وصولهم إليه، وأنه يفرح بهذه البشارة كما يفرح العطشان إذا بشر بالماء. وتقديره: كمن يبشره المبشر بالماء وهو عطشان. وذلك حال. جزت بني الحسن الحسنى فإنهم ... في قومهم مثلهم في العز عدنانا فاعل جزت: الحسنى. وعدنان: في موضع جر بدل من العز. وقيل: العز صفة متقدمة بعدنان. وأراد: بني عدنان، وهو أبو العرب، من ولد إسماعيل. والضمير في إنهم لقومهم. يقول: جزت الحسنى بني الحسن، فإنهم في قومهم في الشرف، مثل قومهم في عدنان. أي: هم أشراف قومهم، كما أن قومهم أشراف عدنان. وروى: في الغر عدنانا. ما شيد الله من مجدٍ لسالفهم ... إلا ونحن نراه فيهم الآنا يقول: ما رفع الله لآبائهم السابقة، من المجد والعز، إلا ونحن نرى مثله في هؤلاء الآن. إن كوتبوا أو لقوا أو حوربوا وجدوا ... في الخط واللفظ والهيجاء فرسانا يقال: فلان فارس هذا الأمر. أي حاذق فيه. يقول: إنهم متقدمون في هذه الأمور كلها، ولقوا: أي في مشهد حدثهم فرسانا. كأنهم يردون الموت من ظمأ ... أو ينشقون من الخطى ريحانا الخطى: الرماح المنسوبة إلى الخط، وهي قرية بساحل البحر يعمل فيها الرماح. يقول: كأن الموت ماء وهم إليه ظماء فهم يردون الموت كما يرد الظمآن الماء، وكأن الرماح ريحانهم، فهم يتلذون بهم، كما يلتذ باستنشاق رائحة الريحان. كأن ألسنهم في النطق قد جعلت ... على رماحهم في الطعن خرصانا الخرصان: جمع خرص، وهو السنان. شبه مضاء أسنتهم في الطعن، بمضاء ألسنتهم في النطق. والناس يشبهون الألنة بالأسنة، وهو قد عكس ذلك وجعله مضاءً ثابتًا في اللسان، ثم شبه به السنان. الكائنين لمن أبغي عداوته ... أعدى العدى، ولمن آخيت إخوانا

1 / 157