مصر در آغاز قرن نوزدهم ۱۸۰۱–۱۸۱۱ (بخش اول)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرها
بيد أن إقفار مساحات من الأرض من زارعيها، كان معناه حدوث نقص في المال أو الإيرادات المتحصلة من هذه الأراضي، فيغدو شأن هذه الأراضي، شأن تلك التي في حوزة بكوات المماليك في الصعيد، في وقت استحكمت فيه أزمة الباشا المالية، وكان في مقدوره مطالبة الملاك والزراع الذين لم يغادروا الأرض بدفع الضريبة التي تخلص من أدائها الفارون، ولكن هذا الإجراء كان قمينا بأن يثير عليه الاحتجاجات الصاخبة من كل جانب؛ وعلى ذلك، فقد هدته عبقريته إلى ابتكار وسائل جديدة لتحصيل المال، إلى جانب اتباع الإجراءات التي لجأ إليها في الماضي.
أما أهم الطرائق المبتكرة، فكان تقرير مساحة معينة للفدان، تجبى الضرائب بمقتضاها، بحيث لا تزيد مساحة كل فدان على
333 قصبة مربعة، وعلى أن ينقص طول القصبة من ثلاثة أمتار وخمسة وسبعين سنتيمترا إلى ثلاثة أمتار وأربعة وستين سنتيمترا، فألغي بهذا النظام الجديد، تنوع مساحات الفدان القديمة؛ حيث كانت مساحة الفدان من الأراضي الخصبة أقل من مساحته في الأراضي البعيدة عن النيل، فالقريب من النيل كانت مساحته 324، والبعيد عنه 576 قصبة مربعة، وفي دمياط كانت مساحة الفدان 432 قصبة مربعة، وكانت تجبى الضرائب على أساس فئات محددة عن كل فدان، فتدفع الأراضي الضريبة بنسبة مساحة الفدان بها، ويقل المتحصل منها في جهة عن غيرها، فنجم عن الترتيب الجديد أنه بينما نقص تقدير مساحة الأراضي الزراعية في مجموعها، بقي عدد الأفدنة على حاله، ولما لم يطرأ تغيير على فئات الضريبة ذاتها، فقد تسنى بأسلوب أدق، تحصيل مقدار المال أو الميري نفسه المربوط على الأرض.
وثمة وسيلة عامة أخرى لجأ إليها محمد علي لعلاج أزمته المالية، هي أنه حاول تلافي العجز الحاصل في حصيلة الضرائب الجمركية، لكساد التجارة، بزيادة الرسوم الجمركية زيادة عالية على تجارة الوارد، بصورة أتت بنتيجة عكسية؛ حيث انكمش الاستهلاك المحلي للبضائع المجلوبة من الخارج، بدرجة نقصت بها إيرادات الجمارك، واضطر الباشا إلى البحث عن مصادر للمال أخرى، فعندما نمى إليه أن احتكار الحكومة للتبغ من مصادر الإيراد المربحة في فرنسا، قرر من فوره احتكار تجارته في مصر، فوضع عملاءه في مواني القطر يشترون لحسابه التبغ المستورد من تركيا، وأقام مستودعا مركزيا في القاهرة، لتوزيع التبغ منه إلى بلدان الوجه البحري والصعيد، كما أنشأ مصنعا في القاهرة كذلك يعمل فيه الصناع لإعداد الدخان المهيأ لاستهلاك العاصمة، ووفد الباعة كل صباح على المصنع لأخذ مقطوعية اليوم من الدخان، وقضى هذا الاحتكار الحكومي على صناعة اختص بها الأفراد العاديون، وكسبوا منها رزقهم، فاشتد التذمر، وعلت الاحتجاجات الصاخبة، وانخفض الاستهلاك، واضطر الباشا إلى التخلي عن هذه التجارة، واستعاض عن ذلك بفرض ضريبة جمركية عالية على جميع أصناف التبغ المستورد إلى البلاد، على أنه مما تجدر ملاحظته، أن هذه المحاولة الاحتكارية الأولى، والتي حدثت في غضون الشهور الستة الأولى من عام 1808، كانت تجربة قائمة بذاتها، ولا صلة لها بنظام الاحتكار الواسع الذي أنشأه محمد علي بعد ذلك.
وتسنى للباشا أن يتبع طريقا ثالثا لتفريج أزمته، بفضل ما كان يحرزه من انتصارات على البكوات المماليك، وما صار يستتبع ذلك من مصادرة أملاكهم وأراضيهم، وكان أصحاب الأرض عموما هم المماليك الذين تتألف منهم الطبقة الحاكمة، ويمتلك هؤلاء نصف الأرض تقريبا، ثم الأفراد العاديون، ولهؤلاء قسم من الجزء الباقي من الأرض، بينما ظل القسم الأخير منها من أراضي وأملاك الوقف المرصدة للمساجد والسبل وأبواب الخيرات المنوعة، وبمقتضى النظام السائد بين المماليك، كان لكل صنجق من صناجقهم حصة معينة من الأرض يوزعها بين بكواته وكشافه، بما عليها من قرى ودساكر، وهو وحده صاحب الحق الأعلى في ملكيتها، بينما كانت تؤجر الأرض والمباني المنشأة عليها للفلاحين الذين يدفعون عنها إيجارا بعضه نقدا والآخر عينا، وكان للفلاحين كذلك أن يستأجروا أراضي وعقار الوقف المرصد ريعها للجوامع وما إليها، كما كان لهم أن يستأجروا الأرض من الأفراد العاديين.
وبقدر نجاح محمد علي في القضاء على طائفة المماليك، كثر عدد القرى، وزادت مساحة الأرض التي دخلت في حوزته بعد جلاء هؤلاء عنها، وصار يوزع هذه على كبار ضباطه، وقد شهدنا كيف أن أحمد بك الأرنئودي، أو عمر بك، أو صالح آغا قوج، أو حسن باشا، استطاعوا جميعا بسبب هذا الإجراء أن يجمعوا ثروات طائلة بفضل امتلاكهم للقرى والأراضي التي أعطاهم محمد علي إياها، بل إن الباشا كثيرا ما كان يعمد إلى توزيع القرى والأرض التي يمتلكها البكوات المماليك على ضباطه وأعوانه، في جهات لم تكن بعد قد دخلت في حوزته واعترف سادتها بسلطانه.
على أن هذه الإجراءات العامة لم تكف لسداد نفقات الباشا، ولقطع دابر أزمته المالية المزمنة، ووجد الباشا أن مصدرا هاما من مصادر الإيراد، قد ظل معطلا، نتيجة لبقائه متحررا من سلطان الحكومة، ونعني بذلك أراضي الوقف والرزق والإحباسية، فقرر الاستيلاء عليها، وكان هذا القرار السبب المباشر لوقوع الاصطدام بينه وبين المشايخ، بيد أنه لا معدى عن تتبع الإجراءات السابقة لهذه العملية الأخيرة، والتي لجأ إليها محمد علي لسد العجز الظاهر في ماليته منذ أن تزايدت حاجته إلى المال، عقب خروج الإنجليز من الإسكندرية، لمواجهة مطالب الحكومة من يوم لآخر، لفهم هذه الواقعة على حقيقتها. (4-2) أساليب الباشا المالية
ذلك أن الأساليب التي اتبعها الباشا الآن لجمع المال، كانت نفس الأساليب السابقة، والتي أرهقت أهل البلاد عموما والقاهريين خصوصا، وكانت مبعث سخطهم وتذمرهم، ولو أن أحدا منهم لم يجرؤ على الاعتراض أو الاحتجاج عليها؛ وسبب ذلك توطد سلطان الباشا المطرد، وإقبال المشايخ والزعماء الشعبيين، وعلى رأسهم عمر مكرم، على معاضدته وتأييده، ولم يكن الأهلون يرون مبررا لتوالي المظالم والمغارم عليهم، وهم الذين أسهم المشايخ وزعماؤهم في تطويعهم تزلفا للباشا، لإغداقه عليهم بالحصص من ناحية، ولعدم تعرضه لمسموحهم أو لإيرادات الوقف المتنظرين هم عليه من ناحية أخرى.
بيد أن مضي الباشا في أساليبه المالية، ثم لجوءه أخيرا إلى تجريد المشايخ من الإيرادات التي نعموا بها، بمهاجمة نظام الوقف المألوف، لم يلبث أن زاد من تذمر الأهلين وسخطهم، ثم أفضى إلى انحراف المشايخ والتصدي لمعارضته، ولكن ثمة ملاحظة جديرة بكل اعتبار، كان لها شأن في تكييف الحوادث التالية، ومساعدة الباشا على التخلص من معارضة المشايخ، سواء أكانت هذه معارضة صامتة أم سافرة، هي أن سخط الشعب تحول رويدا رويدا إلى المشايخ أنفسهم، حتى إذا ذهب هؤلاء يعارضون الباشا، لم يحرك الشعب ساكنا لمؤازرتهم، وترك الباشا يقتص منهم، ويعمل على إقصائهم من شئون الحكم كلية، على نحو ما سيأتي ذكره.
أما الباشا فقد بدأ منذ 6 أكتوبر 1807 - كما سبق بيانه - يفتح الطلب من الملتزمين ببواقي الميري على أربع سنوات ماضية. وفي 23 أكتوبر، فتحوا أيضا دفاتر الطلب بالميري عن السنة القابلة وبدأت من ثم المتاعب التي شكا منها الأهلون والتي بسطها الشيخ الجبرتي في تاريخه، فقال: «وجهت الحكومة الطلب بها إلى العسكر، فدهي الناس بدواه متوالية، منها خراب القرى، بتوالي المظالم والمغارم والكلف، وحق الطريق، والاستعجالات، والتساويف، والبشارات، فكان أهل القرية النازل بها ذلك، ينتقلون إلى القرية المحمية لشيخ من الأشياخ، وقد بطلت الحماية أيضا حينئذ، ثم أنزلوا بالبنادر مغارم عظيمة لها قدر من الأكياس الكثيرة، وذلك عقب فرضة البشارة، مثل دمياط ورشيد والمحلة والمنصورة، مائة كيس وخمسون كيسا، ومائة وخمسون كيسا وأكثر وأقل.
صفحه نامشخص