295

مصر در آغاز قرن نوزدهم ۱۸۰۱–۱۸۱۱ (بخش اول)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرها

Stefanaki - وكان يعمل ترجمانا في مصر، ثم صار الآن أحد وكلاء الباشا بالقسطنطينية، وترجمانا في الوقت نفسه في الجيش العثماني - بصحة الوقائع التي ذكرها السفير النمسوي وأراد الاستناد عليها في اعتبار المبالغ التي أعطى عنها خازندار خسرو باشا والكيلارجي باشي دينا على الحكومة، وقال «ستفاناكي» إنه كان الواسطة بين «روشتي» وخسرو باشا، وإن الأموال التي استدانها الأخير أنفقت في الوجوه التي ذكرها السفير، وأيد الباب العالي وجهة النظر هذه مرة أخرى، وأصدر أمرا في فبراير 1808، إلى محمد علي وإلى دفترداره أحمد أفندي جديد، وإلى عارف أفندي قاضي مصر، بسداد هذا الدين، وتسلم أمين خلوصي المندوب الموفد لهذه الغاية، المبلغ المرقوم.

ولكن «روشتي» لم يستطع استيفاء دينه كاملا، ومع أن خسرو نفسه قد اعترف بأنه استدان من قنصل النمسا هذا، مبلغ 230048 قرشا عثمانيا، ليدفع منها مرتبات الجند كما قال؛ فقد تبين للباشا ودفترداره بعد فحص السجلات، أن المبلغ الذي استدين لدفع مرتبات الجند كان أربعا وثمانين ألف قرش فحسب، واستدان خسرو المتبقي من المطلوب سداده للإنفاق منه على شخصه ولكسوة حرسه الخاص. وعلى ذلك فقد دفع الدفتردار هذا المبلغ «لروشتي»، وحتى عام 1810 كان لا يزال لهذا في ذمة الحكومة 146048 قرشا، بذل «شتورمر» قصارى جهده لدى الباب العالي لاستصدار أمر إلى حكومة الباشا بدفعه، وشهد «ستفاناكي» مرة أخرى بأن السبب في عدم تقييد بقية المبلغ في السجلات كان حدوث الثورة في القاهرة؛ وعلى ذلك فقد بعث الباب العالي أمرا في مايو 1810، إذا كان ما يقوله «ستفاناكي» صحيحا، بوجوب دفع المبلغ المتبقي، وهو 146048 قرشا دون تأخير.

أما محمد علي، فقد صار يشكو دائما في كل ما دار بينه وبين الباب العالي من مراسلات بصدد الحملة المزمعة ضد الوهابيين من كثرة الديون التي صار ينوء بها كاهله، والتي جعلت متعذرا عليه إنجاز استعداداته لتلبية أوامر الباب العالي بالسرعة المرغوبة، ثم اتخذ من هذه الديون ومن حاجته إلى المال عموما تكأة يستند عليها في إرجاء إنفاذ جيشه إلى الحجاز، حتى يتم له الاطمئنان على باشويته ويفرغ من دعم أركانها.

ولقد سبق أن أشرنا في فصول سابقة وكلما تناول الكلام حاجة محمد علي إلى المال، إلى أن العلة في استمرار هذه الأزمة المستحكمة والمزمنة، عدا الاستيلاء البكوات المماليك على إيرادات الصعيد، إنما هي كساد التجارة، واضمحلال الصناعة، والأهم من ذلك كله، تعطل الزراعة بسبب الحروب الداخلية بين الطوائف المتنازعة على السلطة، وما تعرض له الفلاحون من اعتداءات الجند الأرنئود والدلاة على أرواحهم وأموالهم ومواشيهم ونتاجهم الزراعي، ثم ما فرضته عليهم الحكومة من أنواع الإتاوات والمغارم، إلى جانب فتح طلب مال الميري في غير أوقاته مقدما وسلفا تارة، وعن أعوام سابقة بدعوى تأخر إغلاق حسابها تارة أخرى، وأنفذت حكومة الباشا التجريدات العسكرية إلى مختلف المديريات لجباية الضرائب.

ولما كان الفلاحون يعجزون عن وقف هذه الاعتداءات عليهم، وأرهقتهم الأعباء المالية الثقيلة، وجردهم عمال الباشا والعربان والجند من ثمرة كدهم وكدحهم، فقد غادر كثيرون الأرض فرارا من هذه المغارم، وأقفرت قرى عديدة من سكانها، وهرب الفلاحون إلى الصحراء وإلى الواحات، كما هاجر نفر منهم إلى الشام، وترتب على ذلك أن صار حوالي ثلث الأرض المزروعة على أيام الفرنسيين، مهملا متروكا، طغت عليها رمال الصحراوين الغربية من الشرق، والليبية من الغرب.

وتزايدت حدة الضنك والبأساء في المدن خصوصا، بسبب استيلاء الباشا على محاصيل القمح والحبوب، لتصديرها إلى الإنجليز وغيرهم. وفي سنتي 1808، 1809 بلغ سعر إردب القمح ثلاثين قرشا عثمانيا، وذلك برغم وفرة محصوله، بينما كان ثمنه على أيام الحملة الفرنسية لا يزيد على سبعة قروش فحسب، وهدد نقص النيل في كل مرة عند حدوثه بانتشار المجاعة في القاهرة؛ حيث كانت تختفي الغلال من أسواقها بصنع ساحر.

وكان من عوامل زيادة البؤس كساد التجارة، واختفاء الصناعات الأهلية، حتى عجز التجار وأرباب الحرف والصناعات عن تأدية الضرائب والغرامات والقروض المطلوبة منهم، وظهر نوع من المعاملة وقتئذ لمواجهة هذه الالتزامات، كان فريدا في نوعه؛ حيث صار الأفراد يستدينون من الجند المال الذي يدفعون منه الضرائب والإتاوات، والذي ينال منه الجند أنفسهم مرتباتهم، ونشطت سوق السلف والقروض هذه، وأقرض الجند الأهلين بفوائد باهظة، فبلغ سعر الفائدة 8٪ في الشهر الواحد، ووجد التجار والصناع في هذه العملية مخرجا مؤقتا من أزمتهم، ولكنه كثيرا ما كان يحدث بطبيعة الحال، أن يجد هؤلاء المستدينون عند حلول موعد السداد أنهم يعجزون عن الدفع، فتصادر عندئذ أملاكهم لبيعها، ويلقى القبض عليهم، وسعيدو الحظ منهم من يستطيعون النجاة بأنفسهم بالفرار إلى الصحراء أو الواحات كما يفعل الفلاحون.

وتدخل الباشا للحد من جشع الجند، وتحديد سعر الفائدة، وكان تدخله في هذه المسألة مثار التعجب؛ حيث لم يكن لمنع الربا، ولكن لتقريره بتحديد سعر الفائدة لوقف هروب الأهلين من البنادر والقرى، والأمر الذي يرتب عليه - إذا استمر - حرمان الحكومة من دافعي الضرائب والمغارم والسلف وما إليها، فيعلق الشيخ الجبرتي على ذلك بقوله في حوادث أول يناير 1809: نزل والي الشرطة وأمامه المناداة على ما يستقرضه الناس من العسكر بالربا والزيادة على أن يكون كل كيس ستة عشر قرشا في كل شهر لا غير، والكيس عشرون ألف نصف فضة، وهو الكيس الرومي، بفائدة

38٪ في السنة، ثم استطرد الشيخ: «وذلك بسبب ما انكسر على المحتاجين والمضطرين من الناس، من كثرة الربا لضيق المعاش، وانقطاع المكاسب، وغلو الأسعار، وزيادة المكوس، فيضطر الشخص إلى الاستدانة، فلا يجد من يدانيه من أهل البلد، فيستدين من أحد العسكر، ويحسب عليه على كل كيس خمسين قرشا في كل شهر»؛ أي بفائدة 120٪ في السنة على اعتبار أن الكيس خمسمائة قرش - «وإذا قصرت يد المديون عن الفوائد، أضافوا الزيادة على الأصل، وبطول الزمن تفحش الزيادة، ويئول الأمر لكشف حال المديون، وجرى ذلك على كثير من مساتير الناس، وباعوا أملاكهم ومتاعهم، والبعض لما ضاق به الحال ولم يجد شيئا، خرج هاربا وترك أهله وعياله، خوفا من العسكري، وما يلاقي منه، وربما قتله، فأعرض بعض المديونين إلى الباشا، فأمر بكتابة هذا البيوردي، ونزل به والي الشرطية، ونادى به في الأسواق، فعد ذلك من غرائب الحكام؛ حيث ينادى على الربا جهارا في الأسواق من غير احتشام ولا مبالاة؛ لأنهم لا يرون ذلك عيبا في عقيدتهم.»

وواجهت حكومة الباشا بسبب إفلاس الأهلين، وهروب الفلاحين خصوصا إلى الصحراء والواحات مشكلة مزدوجة: إقفار القرى من أهلها، مما نجم عنه تأخر الزراعة بصورة مطردة، ثم تزايد عدد المعوزين والمتعطلين في المدن، لا سيما في القاهرة، نتيجة لإفلاس عديدين من طوائف صغار التجار والصناع. وحاول محمد علي معالجة هذه المشكلة، بأن ينقل إلى الريف لتعمير القرى المهجورة فقراء العاصمة، فأصدر أوامره المشددة إلى شرطته حتى يجمعوا كل من لا صنعة أو حرفة له، والخدم المتعطلين عن العمل، والأرامل الفقيرات، والنساء اللاتي لا أولاد لهن؛ لنقلهم جميعا قوة واقتدارا، وتحت حراسة الجند إلى مساكنهم الجديدة في القرى التي هجرها أهلها، ولكن أحدا من هؤلاء لم يشأ مغادرة العاصمة إلى هذه المساكن الجديدة، فاختفوا سريعا عن الأنظار، ولم يمكن تنفيذ هذه الأوامر.

صفحه نامشخص