============================================================
فاعلم : أن هذه المدارس والرباطات بمنزلة حصن حصين يتحصن بها المجتهدون عن القطاع والشراق، وأن الخارج بمنزلة الصحراء، تدور فيه فرسان الشياطين عسكرا عسكرا، فتسلبه أو تستأسره، فكيف حاله إذا خرج إلى الصحراء، وتمكن العدؤ منه من كل جانب ، يعمل فيه ما يشاء ؟! فإذن ليس لهاذا الضعيف إلا لزوم الحصن وأما الرجل القوي البصير الذي لا تغلبه الأعداء ، وأستوى عنده الحصن والصحراء.. فلا خوف عليه إذا خرج غير أن الكون في الحصن أحوط على كل حال؛ إذ لا يؤمن من الفلتات والاتفاقات مع قرناء الشوء ، وإذا كان الأمر بهذه الجملة.. فالكون مع رجال الله ، والصبر على مشقة الصحبة أولى للمرتاض وطالب الخير بكل حال، وأن لا مانع للقوي البالغ مبلغ الاستقامة عن التفرؤد
منهم، فاعلم هذه الجملة وتأملها تغنم وتسلم إن شاء الله تعالى: فإن قيل : فما تقول في زيارة الإخوان في الله عز وجل، ومواصلة الأحباب بالثلاقي والتذاكر؟
فاعلم : أن زيارة الإخوان في الله تعالى من جواهر عبادة الله تعالى ، وفيها الزلفة الكريمة إلى الله عز وجل، مع ما فيها من ضروب الفوائد وصلاح القلب ، وللكن بشرطين : أحدهما : ألا يخرج في ذلك إلى الإكثار والإفراط ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه : " زر غبا تزدد حبا "(1).
والثاني : أن تحفظ حق ذلك ؛ بالتجنب عن الرياء والترين، وقول اللغو والغيبة، ونحو ذلك، فيعوذ عليك وعلى أخيك الوبال، فلقد حكي : أن الفضيل وسفيان رحمهما الله تعالى تذاكرا شيئا فبكيا ، فقال سفيان : يا أبا علي؛ أرجو أنا ما جلسنا مجلسا أرجى لنا من هلذا المجلس ، فقال الفضيل:
صفحه ۸۳