عني ذلك السلطان عناية خاصة بتوكيد علاقاته بالغرب، فحاول تحسين حالة رعاياه المسيحيين، وأعلن نفسه نصيرا للتسامح، ولكن محمودا لم يجد له مساعدين مخلصين، ومع ذلك فإن كان قد فقد مصر وسوريا إلا أنه استطاع أن يسترجع للدولة إبيروس وألبانيا وسيواس وديار بكر والموصل وبغداد. •••
لقد تولى السلطان عبد المجيد بعد موت السلطان محمود، ولم تكن له شخصية محمود القوية، ولكنه أظهر كسالفه رغبة في التجديد والاقتباس من الغرب. فاستدعى رشيدا من لندن ليكون وزير الخارجية، وليستمر في سياسة الإصلاح، وكان رشيد من المؤمنين بقيمة الإصلاح السياسي، فهو من الشخصيات العثمانية المتعلمة في ذلك الوقت المستنيرة. كان نزيها إذا قيس برجال الدولة الآخرين،
بقاء لتركيا بغير الاقتباس من الغرب، لقد كان رشيد من الساسة الذين أقنعوا محمودا بالقضاء على سياسة الاحتكار، لكنه كان على نقيض محمود؛ فهو يعتقد في النظم النيابية، ولا يعضد سياسة الاستبداد، لقد كانت الثقة متبادلة في وقت من الأوقات بينه وبين السفير الإنجليزي
Stratford canning
الذي كان يعضد سياسة الإصلاح في الدولة بكل قواه.
وصل عبد المجيد إلى العرش، وكانت الدولة العثمانية على شفا جرف من الانهيار بعد انهزامها أمام القوات المصرية في موقعة نزيب، لم يكن لدى السلطان الجديد لا جيش ولا بحرية ولا مال؛ فلقد دمر الجيش وسلم الأسطول لمحمد علي وفرغت خزائن الدولة، ولم يكن منتظرا تأييد إنجلترا للدولة العثمانية في محنتها إلا إذا رضيت الدولة العثمانية باتباع سياسة إصلاحية.
ولذا ستكون باكورة أعمال السلطان الجديد إصدار مرسوم جلخانة (التنظيمات) مقتبسا من النظم الغربية إلى حد كبير، ولإرضاء أوروبا قبل كل شيء. سجلت هذه التنظيمات حقوق الرعية في الحياة والملكية والمحافظة على الشرف، وقررت المحاكمة قبل الحكم، وحاولت إصلاح النظام القضائي، كما حاولت وضع قانون جنائي، وقررت تنظيم أمر الضرائب، فرضها وحمايتها، كما قررت تنظيم الخدمة العسكرية، وجعلت التجنيد إلى حد ما إجباريا، واعترفت هذه التنظيمات بمساواة كل الأديان أمام القانون.
وأعلن هذا الإصلاح في احتفال مشهود، وذكر أن فيه «إحياء الدين والدولة والحكومة والشعب». ولم يقتصر السلطان على ذلك؛ فقد وعد باتباع سياسة تنسجم مع هذا الإصلاح، وترفع من شأنه في الغرب، ولكنه بقيت سلطة السلطان كما كانت في الماضي استبدادية. لم يكن لهذا الإصلاح أثر كبير من الناحية الداخلية، ولكن أثره على الناحية الخارجية كان عظيما، وخاصة في الدول الصديقة للدولة العثمانية، فرأى فيه بونسنبي، سفير إنجلترا في القسطنطينية:
A Victorious answer to those who say that this Empire cannot be saved by its anciént government.
لقد كان لصدور هذا القانون أثر كبير في تأييد الدول الأربع لتركيا ضد خطر محمد علي الجارف الذي هدد حياة الدولة العثمانية، وحين انتهى الخطر الخارجي، أعاد الرجعيون كرتهم، يدسون للنظام الجديد ويعملون على فشله، وسقط رشيد؛ ولذا أصبح القانون الجديد إلى حد كبير حبرا على ورق.
صفحه نامشخص