وأنَّها لا تتمُّ إلّا بالبناءِ على نفيِ الكثرةِ في هذهِ المسألةِ وما بعدَها، فما هوَ فرع على هذهِ المسألةِ كيفَ تَنْبني هذهِ المسألةُ عليهِ؟ والذي أحالَ عليهِ هوَ أنَّهُ قالَ: المسألةُ الخامسةُ في بيانِ عَجزِهم عَنْ إقامةِ الدَّليلِ على أنَّ اللهَ واحدٌ، وأنَّهُ لا يجوزُ فرضُ اثنينِ واجبَي الوجود، وكُلُّ واحدٍ منهما لا عِلّةَ لهُ.
واستدلالُهم على ذلكَ بمسلَكينِ:
المسلكُ الأوَّلُ: قولُهم: إنَّهما لو كانا اثنينِ لكانَ نوعُ وجوبِ الوجودِ مقولًا على كُلِّ واحدٍ منهما، وما قيلَ: إنَّهُ واجبُ الوجودِ فلا يخلو إمّا أنْ يكونَ وجوبُ وجودِهِ لذاتِهِ؛ فلا يُتصوَّرُ أنْ يكونَ لغيرِه، أو وجوبُ الوجودِ لعِلّةٍ، فتكونُ ذاتُ واجبِ الوجودِ معلولًا، وقدِ اقتضَتْ عِلّة وجوبِ الوجودِ، ونحنُ لا نريدُ بواجبِ الوجودِ إلّا ما لا ارتباطَ لوجودِهِ بعلمِهِ بجهةٍ مِنَ الجهات، فزَعموا أنَّ نوعَ الإنسانِ مقولٌ على زيدٍ وعلى عَمرٍو، وليسَ زيدٌ إنسانًا لذاتِه، إذْ لو كانَ إنسانًا لذاتِهِ لما كانَ عمرو إنسانًا، بَل لعِلّةٍ جعلتْهُ إنسانًا، وقد جعلَ عَمْرًا أيضًا إنسانًا فتكونُ الإنسانيّةُ بتكثر المادّةِ الحاملةِ لها، وتعلُّقُها بالمادّةِ معلولٌ ليسَ لذاتِ الإنسانيّة، فكذلكَ ثبوتُ وجوبِ الوجودِ لواجبِ الوجودِ إنْ كانَ لذاتِه، فلا يكونُ إلَّا لهُ، وإنْ كانَ لِعِلَّةٍ فهوَ أيضًا معلولٌ وليسَ بواجبِ الوجوبِ. وقد ظهرَ بهذا أنَّ واجبَ الوجودِ لا يكونُ إلّا واحدًا.
قالَ أبو حامدٍ: قولُكُم: "نوعُ واجبِ الوجودِ لواجبِ الوجودِ لذاتِهِ ولعلَّةٍ" تقسيمٌ خطأٌ في وضعِهِ؛ فإنَّا قد بيَّنّا أنَّ لفظَ وجوبِ الوجودِ فيهِ إجمالٌ، إلَّا أنْ يرادَ بهِ نفيُ العِلم، فلْيستعملْ هذهِ العبارةَ، فنقولُ: لم يستحل
1 / 80