مع احتياجِها إلى المحلِّ، لكنَّهُ قال مَع ذلكَ: وإنْ أردتُم بواجبِ الوجودِ ألَّا يكونَ لهُ عِلّةٌ قابليّةٌ؛ فليسَ بواجبِ الوجودِ على هذا التَّأويل، ولكنَّهُ مَع هذا قديمٌ لا عِلّةَ لهُ، ولَم يكُنْ محتاجًا في إبطال حُجَّتِهم إلى ذلكَ؛ فإنَّهُ لَمّا ذكرَ تقسيمَهم في الذّاتِ والصِّفةِ إمّا أنْ يكونَ كُلٌّ منهُما غنيًّا عَنِ الآخرِ أو محتاجًا إليهِ أو أحدُهما غنيٌّ عَنِ الآخرِ والآخرُ محتاجٌ إليهِ اختارَ هذا القسمَ الآخرَ، وقد قالوا على هذا التَّقديرِ: المحتاجُ معلومٌ، والواجبُ هوَ الآخرُ، ومنهُما كانَ معلولًا افتقرَ إلى سببٍ، فيؤدِّي إلى أنْ ترتبطَ ذاتُ واجبِ الوجودِ بسببٍ، وقد قال: هوَ المختارُ أنْ تَكونَ الذّاتُ في قوامِها غيرَ محتاجةٍ إلى الصِّفات، والصِّفةُ محتاجةً إلى الموصوفِ كما في حقِّنا، ثمَّ قال: فيَنفي قولَهم: إنَّ المحتاجَ إلى غيرِهِ لا يكونُ واجبَ الوجودِ إلى آخرِهِ.
وما ذكرَهُ مِنَ الحُجَّةِ لهم فيهِ تناقضٌ بيِّن؛ وكذلكَ في جوابِهِ لهم، وذلكَ أنَّ قولَهم في الحُجّة، ومَهما كانَ المحتاجُ معلولًا افتقرَ إلى سببٍ فيؤدِّي إلى أنْ ترتبطَ ذاتُ واجبِ الوجودِ بسبب كلام متناقض، فإنَّهُ على هذا التَّقديرِ الواجبُ هوَ الموصوفُ فقَط، والصفةُ ليست واجبةَ الوجودِ بنفسِها، بَلْ معلولةٌ بالذَّاتِ ومحتاجة إلى الموصوفِ كما ذكرَ، فتسميةُ الصِّفةِ بعدَ هذا واجبَ الوجود، وأنَّ ذلكَ ينفي ارتباطَ واجبِ الوجودِ بسبب كلام متناقض تقديرُهُ الصِّفةُ ليسَتْ واجبةَ الوجود؛ ولهذا احتاجَ في جوابهِ إلى أنْ يجعلَها واجبةَ الوجود، ثمَّ يفسِّر ذلكَ بأنَّهُ لا فاعلَ لها، وإنْ كانَ لهَا محلٌّ. وليسَ إلى هذا حاجةٌ، بَلْ يكفي أنْ يُقالَ: الصِّفةُ على هذا ليسَتْ واجبةَ الوجود، بَلْ هيَ معلولةٌ كما ذكروا، ولو سُمِّيَتِ العِلّةُ فاعلًا بهذا المعنى لم يكُنْ في ذلكَ محذورٌ؛ إذِ الواجبُ على هذا التَّقديرِ هوَ الذّاتُ، فكانَ هذا
1 / 77