التي ذَكرتُموها لزمهُ ماهيّةٌ مطلَقةٌ يشتركانِ فيها، ولم يلزمْ مِنْ ذلكَ أنْ تكونَ الطَّبيعةُ لزِمَها أُمورٌ مختلفةٌ، بلِ الطَّبيعةُ الواحدةُ الكُلِّيّةُ المطلَقةُ المشترَكةُ لزِمَها أمرٌ واحدٌ كُلِّيٌّ مشترَكٌ، وإنْ أخذت وجوبَ وجودِ كُلٍّ مِنهُما الذي يخصُّهُ وهوَ وجوبُ الوجودِ المعيَّنِ الثّابتِ في الخارج، فذلكَ يَلزَمُهُ ماهيّةٌ معيَّنةٌ ثابتةٌ في الخارج، وأنَّ قولَ القائلِ: الطَّبيعةُ الواحدةُ قد يُرادُ بهِ الواحدُ بالعينِ والواحدُ بالنَّوع، وهذا أصلُ ضلالِهم في هذا البابِ كما تقدَّمَ بيانُهُ في الجوابِ عَنْ مقدِّمةِ السُّؤال، فقولُ القائلِ: الطَّبيعةُ الواحدةُ كقولِهِ: الماهيّةُ، وقولُهُ: الوجودُ الواحدُ والإنسانُ الواحدُ ونحوُ ذلكَ، وذلكَ قد يرادُ بهِ الواحدُ بالنَّوعِ والواحدُ بالشَّخص، والمتفلسِفةُ يقولونَ: الواحدُ ثمانيةُ أقسامٍ: واحدٌ حقيقيٌّ حقِّيٌّ، وواحدٌ بالاتِّصال، وواحدٌ بالارتباط، وواحدٌ بالجِنس، وواحدٌ بالنَّوع، وواحدٌ بالعرَض، وواحدٌ بالإضافة،
وواحدٌ بالموضوعِ.
لكِنَّ هذهِ الأقسامَ ترجعُ إلى ما ذكرناهُ مِنَ القِسمين، فإنَّهم يقولونَ: الواحدُ الحقيقيُّ الحَقِّيُّ الذي لا كثرةَ فيهِ البتّةَ، لا بالفعلِ ولا بالقُوّة؛ كالنُّقطةِ الواحدةِ الغيرِ (١) قابلَةِ الانقسام، لا فِعلًا ولا وَهمًا وفرضًا، وكذاتِ الله تعالى وذاتِ العقلِ. وقد بيّنَ في غيرِ هذا الموضعِ أنَّ هذا الواحدَ الذي وصفُوهُ لا حقيقةَ لهُ في الخارج، وإنَّما يمكن وجوده في الذِّهن، والواحدُ بالاتِّصالِ الذي لا كثرةَ فيهِ بالفِعل، ولكِنْ فيهِ كثرةٌ بالقوّةِ كالخطِّ الواحدِ والسَّطحِ الواحدِ والجسمِ الواحدِ المتشابهِ الأجزاء، إذ (٢) الاتِّصالُ الحاصلُ
_________
(١) بعدها في المخطوط (الانقسام) ولا يستقيم معها الكلام، ولعلها مقحمة ولهذا لم أثبتها.
(٢) في المخطوط (إذا) ولعل المثبت هو الصحيح.
1 / 48