المتحيِّز، وليسَ التَّحيُّزُ عِلّةً للمتحيِّز، وكلُّ صفةٍ مستلزمةٍ للموصوفِ؛ فإنَّهُ لازمٌ لها، وليسَتْ عِلّةً في وجودِه، فكيفَ يجبُ في الماهيّةِ المستلزمةِ لِوُجودِها أنْ تكونَ هيَ عِلّةَ وجودِها، بَل وجودُها اللَّازمُ الواجبُ لازمٌ لها، لا موجودٌ بعدَها، وهيَ شرطٌ فيهِ كما هوَ شرطٌ فيها، ولا تحقُّقَ للماهيّةِ بدونِ وجودِها، كما لا تحقُّقَ لوجودِها بدونها، والشَّرطُ لا يجبُ أنْ يتقدَّمَ على المشروط، ولا يَمتنعُ فيهِ ما يمتنعُ في العِلَل، بل يجوزُ أنْ يكونَ كُلٌّ مِنَ الشَّيئينِ شرطًا في الآخر، ولا يجوزُ أنْ يكونَ كُلٌّ مِنَ الشَّيئينِ عِلَّةً للآخرِ؛ لأنَّ ذلكَ في العِللِ يَستلزمُ الدَّورَ القَبْليَّ، وهوَ محالٌ، وهوَ في الشُّروطِ إنَّما يَستلزِمُ الدَّورَ المَعِيّ وليسَ بمُحالٍ، فلا يمتنعُ ألا يوجدَ كُلٌّ مِنَ الشَّيئينِ إلّا معَ الآخر، ويمنعُ ألا يوجدَ كُلٌّ مِنَ الشَّيئينِ إلّا بعدَ الآخر، وهذا ثابتٌ في نظائرِ هذا.
فَصْلٌ
وأمّا قولُهم في القِسمِ الثّاني، وهوَ أنْ يكونَ ما يختلفُ بهِ لازمًا مِنْ لوازمِ ما يتَّفقُ فيهِ فقَد مرَّ إبطالُهُ؛ لأنَّ الطَّبيعةَ الواحدةَ لا تلزمُها أُمورٌ مختلفةٌ، فيُقالُ لهم: أنتُم قد جعلتُم الصِّنفينِ الوجودَ والوجوبَ والصِّنفَ الآخرَ الماهيّةَ، وقرَّرتُم اتِّفاقَهما في وجوبِ الوجودِ واختلافَهما في الماهيّةِ أو بالعكسِ.
فنقولُ: إذا قيلَ: إنَّ الماهيّةَ لازمةٌ لوجوبِ الوجودِ لم يكُنْ في ذلكَ محذورٌ، لأنَّ وجوبَ الوجودِ إمّا أنْ يوجدَ مطلَقًا، وإمّا أنْ يوجدَ معيَّنًا، فإنَّ أُخِذَ وجوبُ الوجودِ المطلَق، وهوَ الذي يشتركانِ فيه، وهو الطَّبيعةُ الواحدةُ
1 / 47