وفي رواية رواها الحجوري في الروضة قال: قال أبو العباس محمد بن إسحاق: فلما اشتد به صلى الله عليه وآله وسلم الوجع اجتمع إليه أهل بيته ونساؤه، فلما رأت فاطمة عليها السلام أباها قد ثقل دعت الحسن والحسين فجلسا معها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووضعت خدها على خد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعلت تبكي حتى اخظلت لحيته ووجهه بدموعها، فأفاق صلى الله عليه وآله وقد كان أغمي عليه فقال لها: (يابنيه لقد شققت على أبيك). ثم نظر إلى الحسن والحسين واستعبر بالبكاء فقال: (اللهم إني أستودعكهم وصالح المؤمنين، اللهم هؤلاء ذريتي أستودعكهم وكل مؤمن). ثم أعاد الثالثة ووضع رأسه، ثم قالت فاطمة: واكرباه لكربك يا أبتاه. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا كرب على أبيك بعد الموت). ثم أمر أن يصب على رأسه سبع قرب ماء من سبع آبار، ففعل به ووجد خفة، وخرج فصلى بالناس، ثم قام يريد المنبر وعلي والفضل بن عباس قد احتضناه حتى جلس على المنبر فخطبهم واستغفر للشهداء ثم أوصى بالأنصار، ثم قال: (إنهم لا يزيغون عن منهاجها، ولا آمن منكم معاشر المهاجرين الارتداد). ثم رفع صوته حتى سمع جميع من في المسجد وورائه يقول: (أيها الناس سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، والله لا تعتلون علي غدا بشيء ألا وإني قد تركت فيكم الثقلين فمن اعتصم بهما فقد نجا، ومن خالفهما هلك وهوى). قال عمر بن الخطاب: وما الثقلان يا رسول الله ؟. قال: (أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله سبب طرف منه بيد الله تعالى ، وطرف بأيديكم وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تتبدلوا أبدا فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وإني سألت الله ذلك فأعطانيه فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتضلوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم بالكتاب، أيها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي، وافهموا عني تنتعشون لئلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإن أنتم فعلتم ولتفعلن لتجدن من يضرب وجوهكم بالسيف). ثم التفت عن يمينه فقال: (أين علي بن أبى طالب؟. ألا وإني قد تركته فيكم ألا هل بلغت؟). فقال الناس: نعم يا رسول الله صلى الله عليك. ثم قال: (اللهم اشهد، ألا وإنه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني فأقول: يا رب أصحابي أصحابي؟. فيقول:يا محمد إنهم أحدثوا بعدك غيروا سنتك، فأقول: سحقا سحقا). انتهى ما ذكره في الروضة.
واعلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينتصب في حال التعب والمشقة لأنه يعرفهم بما قد عرفوا من تعظيم القرآن، وإنما أراد بذلك بيان حال العترة الأطهار أنهم صلوات الله عليهم متمسك كالكتاب.
وأيضا وجدنا الله عز وجل قد أخبر عن أهل البيت بصفة تشهد باستحقاقهم لما في خبر التمسك هذا من مقارنتهم للكتاب، وأن لهم حكمه في التمسك حيث قال عز وجل: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)). وبينهم صلى الله عليه وآله وسلم بما رواه عنه علماء الحديث في خبر الكساء .
وقد نظم الشعراء أحاديث التمسك وغيره من ذلك قول سعد بن بارق مخاطبا للإمام الزكي زيد بن علي عليهما السلام:
صفحه ۳۱