كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
وبمجرد وصولهما إلى الساحل، المشحون بالمراكب والزوارق والصنادل، نزلا سريعا مع الركاب، في زورق متأهب للذهاب، وقالا وقد رفع الشراع، بعد الإشارة بالوداع.
ودعتهم ودموعي
على الخدود غزار
فاستكثروا دمع عيني
لما استقلوا وساروا
فلما انساب هذا الزورق انسياب الأرقم، بريح طيبة في لجة البحر الأعظم، صار يقتحم الموج ويمر من فوقه مر السحاب، ويتجنب في طريق سيره ما ارتفع من الشعاب، حتى إذا قطع مسافة يومين تكدر صفاء الجو، واختلفت الرياح وأظلمت السماء وتحدر النو، وانكسرت الدفة وتقطعت الحبال، وأقبلت الأمواج من كل جهة كالجبال، واختفى عن أعين الملاحين أثر المسالك، وتحقق الوقوع في مهاوي المهالك، وعظم الخطب، واشتد الكرب، وعلا النحيب والصياح، وكثر العويل والنواح، وتوالت المصائب، وزحفت جنود الأخطار من كل جانب، واستغاث الركاب برب الأرباب، وبسط الربان راحة الضراعة، والابتهال والدعاء وأمنت الجماعة:
يا خالق الخلق يا رب العباد ويا
من قلت في محكم التنزيل ادعوني
صفحه نامشخص