[44] فنقول في جواب هذا القول: إن الهواء جسم مشف شديد الشفيف، إلا أنه ليس في غاية الشفيف بل فيه غلظ يسير. فإذا أشرق عليه ضوء الشمس نفذ الضوء فيه بحسب شفيفه، وثبت فيه من الضوء قدر يسير بحسب ما فيه من الغلظ اليسير. فالمقدار اليسير من الهواء القليل المساحة يكون الضوء الذي يثبت فيه يسيرا جدا من أجل صغر مساحته ومن أجل شدة شفيفه وقلة غلظه وضعف كيفية الضوء الذي يثبت فيه. والهواء العظيم المساحة في السمك يكون الضوء الذي فيه كثيرا من أجل عظم مساحته. وإن كانت كيفية الضوء الذي في كل جزء يسير منه ضعيفة، والهواء الذي بين الجدران وفي دواخل البيوت يسير قليل المساحة، فالضوء الذي فيه يسير من جهتين: من أجل صغر مساحته ومن أجل ضعف كيفيته.
[45] والمسافة التي يدركها البصر من الجو المضيء التي يمتد فيها البصر في وقت إدراكه لضوء الصباح وضوء العشاء عظيمة المقدار في السمك الممتد في مقابلة البصر، وجميع الهواء الممتد في هذا السمك مضيء في ذلك الوقت، وكل جزء يسيرمن الهواء الذي في هذا السمك فيه ضوء يسير ضعيف، والأجزاء المقتدرة المضيئة المقابلة للبصر من هذا الهواء في حال إدراك البصر للضوء الذي فيه التي كل واحد منها مساو لمقدار الهواء الذي بين الجدران الذي لا يظهر فيه الضوء التي هي ممتدة في السمك على السمت المستقيم المقابل للبصر كثيرة مسرفة الكثرة إذا قدرناها بالتخيل لعظم مساحة هذا الهواء وعظم سمكه.
[46] فإذا كانت هذه الأجزاء كثيرة مسرفة الكثرة، وكان في كل واحد منها ضوء يسير، وكانت هذه الأجزاء الكثيرة ممتدة في مقابلة البصر على سمت مستقيم، تضاعفت الأضواء التي كل واحد منها يسير، وتضاعفت قوتها أضعافا كثيرة مسرفة الكثرة، لأن البصر يدرك جميعها من سمت واحد. وإذا تضاعف الضوء اليسير أضعافا كثرة قوي وظهر للحس، فلذلك يظهر الضوء للبصر في الجو المضيء وليس يظهر للبصر الضوء الذي في الهواء اليسير الذي في دواخل البيوت وفيما بين الجدران وفي أودية الجبال والذي بين البصر وسطح الأرض وكل ما كان يسير المساحة من الهواء.
صفحه ۹۳