عدو وفي أحشائه الضغن كامن
فأمنحه بشرا فيرجع قلبه
سليما وقد ماتت لديه الضغائن
ولن تزال المسالمة ممدودة الظلال والاتفاق مرفوع اللواء بين الفريقين إلى يومنا هذا بفضل حكومتنا العثمانية ورجالها الأمناء في خدمتها الذين يسعون في جمع القلوب، واجتماع الآراء لرقي الوطن المحبوب الذي يجب أن نتفانى في تعزيزه ورفع شأنه واستعادة مجده القديم الذائع الشهرة ونحن جميعنا إخوان.
وفي أواخر حزيران سنة 1860 قدمت أساطيل دولتنا العثمانية وغيرها من الدول ورست في مرافئ سورية ولا سيما بيروت، فأخمدت نيران الفتن. وفي 17 تموز وصل فؤاد باشا المعتمد العثماني لتسكين الاضطرابات وتوقيف عواصف الفتن. وفي 3 آب عقد مؤتمر باريس الدولي الذي اجتمع فيه معتمدو دولتنا العثمانية وبريطانية وفرنسة وروسية وبروسية والنمسة، فأقروا على وجوب تأمين الأهلين بقوات عسكرية كافية تتوزع بينهم وإعانة المنكوبين بالإحسانات، فوصل بيروت في 16 آب سبعة آلاف جندي فرنسي بقيادة الجنرال بوفور دوتبول. وفي 5 أيلول وصل بيروت معتمدو الدول الخمس المشار إليها ليتداولوا مع فؤاد باشا معتمد دولتنا المومأ إليه. وبعد أن طافوا جميعهم الأماكن المنكوبة وجبروا الخواطر الكسيرة وسكنوا القلوب الخافقة وجلا وحزنا عقدوا في الخامس من تشرين الأول مؤتمرا دوليا في بيروت حضر خمسا وعشرين جلسة، وفض في الخامس من آذار سنة 1861م، فاتفقوا فيه على إصلاح ذات البين وتعمير ما هدم وتعويض الخسائر الفادحة.
وكانت الاكتتابات في جميع أنحاء أوروبة وأميركة قد بدئ بها منذ نمى إلى سكانها نبأ هذه الفواجع، فأرسلت الدراهم المجموعة مع مندوبين ووزعت على المحتاجين بعد تثمين الخسارة وتقدير الحاجة.
فجاء زحلة الأب شارل لافيجري (مؤسس جمعية المدارس الشرقية وهو الذي صار في ما بعد أسقفا وكردينال، وسعى بمنع النخاسة (بيع العبيد)) مع الأب أغناطيوس اليسوعي، وكان يطوف البيوت ويستقصي أحوال سكانها ويختبر بنفسه حاجاتهم ويوزع الإحسان عليهم حسب الاقتضاء، وهاك تعريب ما ذكره عنها في كتابه «اكتتاب لإعانة مسيحي سورية»: «ثم عدنا إلى زحلة فالتقينا بالعساكر الفرنسية المخيمة في المديرج وقب إلياس، أما زحلة فمبنية على آخر منعطفات جبل لبنان، ومنظرها أشبه بالبلعوم (الزلعوم) وتشرف على سهل البقاع الخصيب، وكان دير اليسوعيين والدار الأسقفية محروقين، فعقدنا في هذه جمعية برئاسة القبطان سوفيش وقدمنا لهم مائة وعشرين ألف فرنك، ثم تركت زحلة في الأحد الأول من شهر كانون الأول سنة 1860م خالعا ثوبي الرهباني ومتنكرا بزي عامة البلاد متجها إلى دمشق ...» ا.ه.
وكان الزحليون قد اجتمعوا كلهم في بلدتهم بعد هجرها شهرين كاملين كانوا في خلالهما يختلفون إليها، فالتجأوا إلى الأطلال التي تظللهم أو سكنوا مع جيرانهم ممن بقيت بعض بيوتهم غير مقوضة، وشرعوا في ترميم المدينة وقد خصص لهم ألف وسبعمائة كيس.
55
وكان العسكر الفرنسي مخيما في قب إلياس بجوار زحلة بقيادة المركيز دي بوفور القائد الفرنسي العام، فدخلتها فرقة كبيرة منهم بقيادة الربان سوفيش، وذلك في أول تشرين الأول سنة 1860م، وسكنوا في الدار الأسقفية الكاثوليكية بعد أن رمموها وبقوا نحو ثمانية أشهر يساعدون السكان في الترميم ويوزعون عليهم الدراهم، وكان مخايل المعلوف الملقب بأبي علي موكلا بتقديم حاجاتهم.
صفحه نامشخص