فَيحصل لَهُ المعقولات ابْتِدَاء فَإِن لم تحصل ابْتِدَاء فعقب شوق إِلَى تَحْصِيل مَعْقُول فيفيض عَلَيْهِ المعقولات فان عجز عَن ذَلِك وَلَا يكون لَهُ الْقُوَّة الحدسية القدسية فَحِينَئِذٍ تفزع إِلَى الْفِكر وَاسْتِعْمَال التخيل فِي استنباط الْمَعْقُول السُّؤَال الثَّامِن
فَإِن قيل قد سلف إِن النَّفس تدْرك الْمعَانِي الْكُلية الْمُجَرَّدَة وتدرك نَفسهَا وَهِي جزئية فَكيف يكون هَذَا
قُلْنَا تدْرك المجردات عَن لواحق الْأَجْسَام وعوارض الْموَاد سَوَاء كَانَ كليا أَو جزئيا ونفسك وان كَانَ جزئيا وَلَكِن هُوَ مُجَرّد عَن صِفَات الْأَجْسَام فتشعر بِنَفْسِك إِنَّمَا لَا تدْرك نَفسك الْأَجْسَام إِلَّا بِآلَة جسمانية أما نَفسك فَلَيْسَتْ بجسمانية وادراك نَفسك لنَفسك لَيْسَ إِلَّا حُصُول حَقِيقَتهَا لَهَا فَإِن حَقِيقَتهَا الْمُجَرَّدَة حَاصِلَة لَهَا وَلَيْسَ ذَلِك مرَّتَيْنِ فَإِن حَقِيقَتهَا وَاحِدَة لَيست مرَّتَيْنِ وَقد بَينا أَنه لَا معنى للمعقول إِلَّا حُصُول مُجَرّد للعاقل وَلَيْسَ كل مَعْقُول يحصل لشَيْء كَيفَ كَانَ يكون معقولا بل مَعَ شَرط زَائِد وَهُوَ أَن يكون مُجَردا وَلَا نعني بقولنَا حقيقتنا حَاصِلَة لنا بالوجود فان الْوُجُود يكون لكل شَيْء
وَمن هَذَا تتنبه لسر عَظِيم وَهُوَ أَن الْحَقِيقَة الَّتِي لنا لَا يشاركنا فِيهَا غَيرنَا من الْحَيَوَانَات فَإِن حقيقتنا الْمُجَرَّدَة غير حَاصِلَة لَهَا وَلَا نعني أَيْضا ان أصل حقيقتنا بِالْقِيَاسِ إِلَى نَفسه أَنه مَوْجُود الْوُجُود الَّذِي لَهُ ثمَّ بِالْقِيَاسِ إِلَى نَفسه أَنه مَعْقُول بِزِيَادَة أَمر فَإِن حَقِيقَة النَّفس لَا يعرض لَهَا مرّة شَيْء وَمرَّة لَيْسَ ذَلِك الشَّيْء وَهِي وَاحِدَة فِي وَقت وَاحِد فَلَيْسَ لكَونهَا معقولة زِيَادَة شَرط على كَونهَا مَوْجُودَة الْوُجُود الَّذِي لَهَا بل زِيَادَة شَرط على الْوُجُود مُطلقًا وَهُوَ أَن وجودهَا وماهيتها أَنَّهَا معقولة حَاصِلَة لَهَا فِي نَفسهَا لَيْسَ لغَيْرهَا
وَهَذَا أجل مَا أعرفهُ فِي هَذِه الْفُصُول والبيانات وَيحْتَاج إِلَى تصور ورسوخ فِي
1 / 68