أما بعد: فإن أفضل القرب رعاية حقوق أهل الرتب، ولا نعلم رتبة لمخلوق أعلى من رتبة الملائكة ثم الأنبياء، ثم بعدهم رتبة أهل البيت الأصفياء، وقد استأثر الله بتولي ذكر ملائكته، وأنبيائه في كتابه المجيد، بما ليس عليه من مزيد، فما عسى أن يقول ذو مقول، وإن أوتي بلاغة قدامة وعبد الحميد.
وأما أهل بيت المصطفى، فقد ندبت الشريعة المطهرة إلى ذكرهم، ورعاية حقوقهم من وجوه ليس بها خفا، ومن رعاية حقوقهم مدارسة كتب مناقبهم ومطالعة تواريخ سيرهم، ولما كنت بحمد الله ممن اختار هذا المذهب الشريف له مذهبا، وجعله له ديدنا وأدبا، وآثر أن يكون أهله له حزبا منذ عقل قوله تعالى:{ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى }[الشورى:23].
وكانت محبتي لهم من أجل النعم التي يستدل بها المؤمن على رشده، وقد قال :((إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته على عبده)) أحببت أن أظهر ما قد عرفته من كثرة مطالعتي لفضائلهم في تأليف، وأجمع متفرقات ماحصل لي من غرر فواضلهم في تصنيف لطيف، ما ذلك جهلا مني بما وضعه أئمتنا وأشياعهم وغير أشياعهم في ذلك من الكثير الطيب، بل لأني أحببت أن يكون لي في الخير العميم نصيب، ولأن تخليد الإنسان ذكره في كتب الصالحين هو العمر الثاني، وقد عول عليه كثير من أهل هذه المعاني، قال أبو الطيب في ذلك:
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته
ما فاته وضروب العيش أشغال
وقال القاضي العلامة أحمد بن محمد الأرجاني وهو من الأدباء الفضلاء المفلقين:
صفحه ۸۳