وتجمع بعض المحررين في المجلة وراحوا يسعون لدى رئيس الوزراء ولدى سيد بك مرعي رئيس مجلس الشعب ولدى الرئاسة أن أبقى في مكاني، مما جعلني أكلم سيد بك مرعي، وأرجوه ألا يتغير قرار نقلي للأهرام ، وأن الذي يقوم به بعض المحررين يتم دون علم مني. فقال سيد إنهم يعرفون ذلك على وجه اليقين، والجمع هنا تفيد الرئيس لا شك في ذلك.
وحدث في هذه الفترة أن التقيت بالسيد بك مرعي ربما في نفس يوم لقائي برئيس الوزراء، وعرفت منه أن يوسف السباعي سيكون رئيسا لمجلس إدارة الأهرام.
فحين خرجت من مقابلة رئيس الوزراء حرصت أن أكلم اثنين صديق عمري علي حمدي الجمال وأخي الحبيب يوسف بك، وجدت علي الجمال بسهولة، وقد فرح - رحمه الله - بنبأ ذهابي معه إلى الأهرام فرحا هائلا، أما يوسف بك فعلى غير العادة لم أجده في أي مظنة من مظانه التي أعرفها جميعا، فلم يطلبني إلا بعد ما يزيد عن ساعة فقلت له: أنا وراك وراك.
فضحك وقال: ورائي فين؟ - أنا ذاهب معك إلى الأهرام. - ماذا؟ - أخبرني رئيس الوزراء اليوم أن الرئيس يريدني كاتبا في الأهرام. - صحيح؟ - صحيح. - وأنا، كيف عرفت أني ذاهب إلى الأهرام؟ - معلوماتي الخاصة. - يعني من أخبرك؟ - المفروض إنه سر. - علي أنا؟ - لك حق، ليس عندي سر عنك، أخبرني سيد مرعي، يكفي؟ - يكفي جدا.
طلبت من مكتبي في المجلة الوزير الجديد جمال العطيفي لأهنئه بالوزارة، وصاح في فرح: أخيرا سنعمل معا.
ودهشت أن ذهابي إلى الأهرام ما زال سرا عليه فقلت: كم كنت أتمنى ذلك. - تتمنى. وماذا حدث لهذا التمني؟ - أنا ذاهب إلى الأهرام.
ودهشت دهشة واضحة في التليفون ظهرت من ألفاظ كثيرة ثم سألته عن السفر إلى أوروبا، فقال لي إنني رسميا ما زلت في مكاني، وأن علي أن أمضي في عملي كأن شيئا لم يكن.
وفعلا سافرنا إلى ألمانيا ليبدأ الرئيس رحلته إلى أوروبا، وفي اليوم التالي لوصولنا عرفنا أن قرارا قد صدر بتعيين الأستاذ يوسف السباعي رئيسا لمجلس إدارة الأهرام والأستاذ أحد بهجت رئيسا لمجلس إدارة الإذاعة، ولم يذكر اسمي في شيء من القرارات.
وكانت رحلتي هذه رحلة ممتعة فأنا غير مطالب بعمل أو بكتابة شيء، وكل ما علي أن أتنزه، وكان علي حمدي الجمال معنا فطلب إلي ونحن في الرحلة أن أتولى القسم الأدبي في الأهرام فلم أمانع، وحين عدنا مرت بضعة أيام ثم استدعاني يوسف السباعي ليخبرني أن قرار نقلي إلى الأهرام قد صدر.
وبدأت عملي بالأهرام، ولم يمر طويل وقت حتى فجعت بالرصاصة الغادرة المجرمة التي أصابت رجلا من أعظم الرجال الذين عرفتهم وأحببتهم في حياتي يوسف السباعي، كان يوسف السباعي في عهد الطغيان هو مانعة الصواعق عن الأدباء، ولولاه لدمر الأدباء في مصر تدميرا كاملا شأن كل ما هو كريم مشرق في حياتنا، رحمه الله رحمة واسعة وتقبله بين الصديقين والشهداء. •••
صفحه نامشخص