وأما الحرام المجهول التحريم فلا عذر فيه، مثلا: أن يعلم أن هذه ميتة ويأكل بجهله أن الميتة حرام وأن ذلك الحيوان خنزير ويأكله لجهله بتحريمه. وفي بعض الكتب: المقارف لمجهول العين ومجهول التحريم غير معذور، والمقارف لمجهول الصفة معذور، وفي الأثر: قال بعض غيرنا: الحرام المجهول العين حلال تتعلق به أحكام الحلال كلها. قال بعض: هو حرام يعاقب متأوله، ولا تتعلق به الحقوق، وإن الحرام المجهول إن تداوله المكلفون مع علمهم بكونه حراما لزم كلا قيمته لربه يدفعها له واحد منهم ويرجع بها على متلفه إن لم يكن هو المتلف. وإن المغصوب إذا وجده صاحبه عند الغاصب كان مخيرا بين أخذه أو قيمته. وقال أبو عبيدة رحمه الله تعالى: إن شاء الغاصب رده وإن شاء أعطاه قيمته. قلت: لا بد <1/ 65> لصاحب المغصوب أن يأخذ ما غصب إذا وجده بعينه، وإن تلف فله مثله إن كان مكيلا أو موزونا، وإلا فقيمته.
والحق أن الحرام المجهول العين لا إثم فيه؛ لأنه لا يميز، وإنما يميز بالوحي. وحقوقه كالزكاة واجبة ومثاب عليها وهو عيش أهل آخر الزمان، ولا يستجاب لأخذه دعاء الدنيا، ويستجاب له دعاء الآخرة. والحق أنه يستجاب له دعاء الدنيا والآخرة لأنه معذور.
وأبو إسحاق يقول: مجهول العين معذور فيه ومجهول الصفة ما لم يعلم أنه لغير من باعه أو لم يعلم أنه مدبر وبلا علم أنها مدبرة. ومثال مجهول العين: جهل أن هذا المائع خمر، أو أن هذا الحيوان خنزير.
والمتفق على عدم العذر فيه هو مجهول التحريم، كما إذا عرف أن هذا خمر وجهل تحريمها، والصحيح أنه لا عذر في مجهول العين أيضا لامتناع الإقدام على شيء قبل أن يعلم حكم الله تعالى فيه بالحلال أو الحرمة. ولحم الكلب تحت الشحم عكس الشاة، إلا إن أرضعتها كلبة فنتجت شحمها، وسائر الحيوان كالشاة إلا الخنزير فطبقة لحم وطبقة شحم، ومن جهل هذه الصفات فوافق كلبا أو خنزيرا لم يعذر، ورخص أن يعذر.
صفحه ۶۴