(تَنْبِيه) يقَع لكثيرين أنهم يتَواجَدون عند سماع الغناء دُون سماع القرآن، وكان القرآن أولى، وأجيب بأنَّ كلام الله ﷾ قديم (١) ومستمعه حادث، ولا جامع بينهما حتى يَحدُث فِي سماعه طرَب، وإنما يحصل فِي سماعه الخشوع والهيبة والتعظيم، كذا قيل، ومرَّ فِي كلام ابن عبدالسلام خلافُ ذلك؛ وهو أنَّه كلَّما زادَت المعرفة زادَ حسن سَماع القُرآن ويزيد التأنِّي والفهم منه، وهذا هو الصواب، فإنَّ التواجُد إنْ كان عن اختيارٍ فهو مذمومٌ سواء القُرآن وغيره، وإنْ كان لا عن اختيار فليكن عند سماع القرآن أكثر، فما اعتِيد من التواجُد عند الغناء دون القُرآن أمرٌ نشَأ غالبًا عن شهوةٍ وتصنُّع فلا يُلتَفت لفاعِلِيه؛ إذ لا يسأل عن أقوال مثلِ هؤلاء وأفعالهم.
(تنبيه) قضيَّة ما تقرر وجود الخلاف فِي الجواز وعدمه مع تحقُّق زيادة حرف أو نقصه، والصواب كما قاله الأذرعي: إنْ تعمَّد ذلك لأجْل التحسين والتزيين فسق، ولا يتحقَّق فِي هذا خِلافٌ وينزل قول مَن عبَّر فيه بالكراهة على كراهة التحريم، من ذلك قول سليم: إذ أخرَجَه عن الإفهام كره؛ لما فِي حديث أنه ﷺ – [عدَّ] (٢) من أشرَاطِ
_________
(١) لا يصحُّ إطلاق وصْف (القديم) على القُرآن الذي بين أيدينا، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "وكان أئمَّة السنَّة؛ كأحمد وأمثاله، والبخاري وأمثاله، وداود وأمثاله، وابن المبارك وأمثاله، وابن خزيمة وعثمان بن سعيد الدارمي وابن أبي شيبة وغيرهم - مُتَّفقين على أنَّ الله يتكلَّم بمشيئته وقُدرته، ولم يقلْ أحدٌ منهم أنَّ القرآن قديم، وأوَّل مَن شهر عنه أنَّه قال ذلك هو ابن كُلاَّب"، "مجموع الفتاوى" (٥/ ٥٣٣).
(٢) في (ز١): عدل.
1 / 71