وتأمَّل ما يحرمه [صاحب] (١) الغناء، فقد أخرَج الحكيم الترمذي أنَّه ﷺ قال: «مَن استَمَع إلى صوت غناء لم يُؤذَن له أن يَستَمِع الروحانيِّين فِي الجنَّة»، قيل: ومَن الروحانيون؟ قال: «قُرَّاء أهل الجنَّة» (٢)، فانظُر هذا الحِرمان المشابِه لما فِي الحديث الصحيح: «مَن شَرِبَ الخَمر في الدُّنيا لم يشرَبْه في الآخِرة» (٣).
وتأمَّل أيضًا مُقابَلته ﷺ لهذا! بقوله: «والذي نفسِي بيده إنَّ القُرآن والذكر لينبتان الإيمانَ في القلب كما يُنبِت الماء العُشب» (٤).
فعلم أنَّ مَن آثَر سَماع الغناء على القُرآن والذكر كما هو دأب أكثَر متصوِّفة الوقت فقد استحكم عليه شيطانه حتى أنزَلَه بساحة الممقوتين، بل أخرَجَه إلى حيِّز العُصاة المبعودين؛ ألاَ ترى إلى ما مرَّ فِي المقدمة أيضًا فِي حديث المُغَنِّي الذي استَأذَن رسول الله ﷺ فِي الغناء فقال: «لا آذَنُ لك، ولا كَرامة، ولا نعمَة عَيْنٍ، كذبت أيْ عدوَّ الله، لقد رزَقَك الله حلالًا طيِّبًا فاختَرْت ما حرَّم الله عليك من رِزقِه ثم توعَّدَه ﷺ بأنَّه إنْ فعَل الغناء بعد ذلك أوجَعَه ضربًا ومثَّل به بحلق رأسه وأحلَّ سلبه نهبةً لفتيان المدينة، ثم قال عن المغنيين ونحوهم:
_________
(١) في (ز١): سائر.
(٢) أوره الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (٢/ ٨٧ /ط دار الجيل).
(٣) متفق عليه أخرجه البخاري (٥٥٧٥)، ومسلم (٢٠٠٣) من حديث ابن عمر ﵄.
(٤) أورده أبو شجاع الديلمي في "الفردوس" (٣/ ١١٥، رقم ٤٣١٩) من حديث أنس بن مالك ﵁ وقال العجلوني في "كشف الخفاء" (٢/ ١٠٣): «الغناء واللهو ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب»؛ رواه الديلمي عن أنسٍ مرفوعًا بزيادة: «والذي نفسي بيده، إنَّ القُرآن والذكر لينبتان الإيمان في القلب كما ينبت الماء العشب»، ولا يصحُّ كما قالَه النووي.
1 / 67