وتمسَّكوا [أيضًا] بما جاء «إذَا لم تبكُوا فتباكَوْا» (١)، وجوابه: أنَّ التباكي يُفضِي إلى [ز١/ ١٥/أ] البُكاء غالبًا الذي هو مطلوبٌ شرعًا، والتواجُد بالحركة لا يُفضِي إلى الوجد غالبًا، فافتَرَقا ولم يجزْ حمل أحدهما على الآخَر، ولو سلَّمنا أنَّه يُفضِي إليه غالبًا فلا نُسلِّم أنَّ الوجد مطلوبٌ شرعًا؛ لأنَّه لا يدخُل تحت اختيار العبد بخِلاف البكاء، ثم العجب أنَّ المحقِّقين من شُيوخ هذه الطائفة قالوا: إنَّ التواجُد غير مُسلَّم لصاحبه؛ لما يتضمَّنه من التكلُّف والتصنُّع والرِّياء؛ قال السهروردي التواجُد من الذنوب، فليتَّقِ الله ربَّه ولا يتحرَّك إلا إذا صارت حركته كحركة المرتعِش الذي لا يجدُ سبيلًا إلى الإمساك، قال السري: شرط الواجد في وجْده أنْ يبلُغ وجده إلى حدٍّ لو ضُرِبَ وجهُه بالسيف لم يشعُر به.
وقال القشيري: المريد لا يسلمْ له حركةٌ فِي السماع بالاختيار؛ وقال عبدالله بن عروة بن الزبير: قلتُ لجدَّتي أسماء بِنت أبِي بكر [الصِّدِّيق]﵄: كيف كان أصحاب النبِيِّ ﷺ يفعَلون إذا قُرِئَ القُرآن؟ قالت: كانوا كما وصفَهُم الله - تعالى - فِي كتابه العزيز،
_________
(١) أخرجه ابن ماجَهْ (١٣٣٧)، وأبو يعلى (٦٨٩)، والبزار (١٢٣٥)، والشهاب في "مسنده" (٢/ ٢٠٨)، والبيهقي (١٠/ ٢٣١) من حديث سعد بن أبي وقَّاص بلفظ: «ابكوا، فإنْ لم تبكوا فتباكَوْا»، وهذا لفظُ ابن ماجه، وأورَدَه المنذري في "الترغيب والترهيب" (٤/ ٢٧٠) وقال: رواه ابن ماجَهْ وأبو يعلى وفي إسنادهما يزيد الرقاشي وبقيَّة رواة ابن ماجَهْ ثقاتٌ احتجَّ بهم البخاري ومسلم، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (١/ ٢٤٠): هذا إسنادٌ فيه أبو رافع، واسمه إسماعيل بن رافع، ضعيفٌ متروكٌ، ورواه أبو داود من طريق عبيدالله بن أبي نهيك عن سعدٍ به بلفظ: «ليس منَّا مَن لم يتغنَّ بالقُرآن» على اختلافٍ فيه، وأبو يعلى (٤١٣٤)، من حديث أنس بن مالك ﵁ وقال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ٣٩١): روى ابن ماجَهْ بعضَه، رواه أبو يعلى، وأضعف مَن فيه يزيد الرقاشي، وقد وُثِّقَ على ضعفه.
1 / 63