... قيل: لم يكن للمدينة المنورة سور في الزمان القديم، وأول من بنى بها سورا بعد خراب أطرافها عضد الدولة، وذلك بعد الستين وثلاثمائة في خلافة الطائع بن المطيع. قال المجد اللغوي في ((المغانم المطابة)): وكان يصلي العيد داخل الباب، ويروى أن إسحاق بن محمد الجعدي بنى سور المدينة سنة مائتين وثلاث وستين، وجعل فيه أربعة أبواب. ويحكى عن القاضي سنان الحسني أنه كان يقول في الخطبة على المنبر: اللهم صن حريم من صان حريم (جيران نبيك) بالسور محمد بن علي بن منصور.
وفي أيام الشريف أبي نمي محمد بن بركات شريف مكة المشرفة، استولى على الديار المصرية ملك الروم والسلطان الأعظم سليم عليه الرحمة والرضوان، فجهز إليهما قاصدا بالاستمرار، والاستقرار، والاستيلاء على تلك الديار. وما أحسن ما قال:
فلا عدمنهم نعمة خلقت لهم ... ودنيا بهم فيها الحياة تطيب
فكان السلطان سليم عليه الرحمة والرضوان هو أول من ملك الحرمين من آل عثمان، وذلك سنة تسع وعشرين وتسعمائة. ومن محاسن السلطان سليم قوله على ما حكاه عنه القطب الحنفي في كتاب: ((الأعلام)):
الملك لله من يظفر بنيل غنى ... يتركه قسرا وضمن بعده الدركا
لو كان لي أو لغير قد نملة ... فوق التراب لكان الأمر مشتركا
وفي أيام ولده السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان كان بناء سور المدينة اليوم، وذلك سنة تسعمائة وتسع وثلاثين، وبنى على أساس السور القديم في تسع سنوات لتعطيل العمارة في خلال المدة، وكان تمامه في سنة تسعمائة وست وأربعين، وداير السور بذراع العمل في ثلاثة آلف واثنين وسبعين ذراعا، وقيل: هو ما بين الأبراج والتجويف أربعة آلاف، والمصرف عليه مائة ألف دينار وكتب على الباب الغربي: ( إنه من سليمن وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) وقد حصل ولله المنة بهذا السور لأهل المدينة المنورة كمال المسرة والأمان، على اختلاف حال الزمان.
وما أحسن ما قال:
صفحه ۷۱