(الوجه الرابع): قوله: "فإن ترد أنها تدل على صفات زائدة على الذات لزمك ما لزم الأَشَاعِرَة، وهو أن يكون مع الله قدماء، وهي المعاني التي لحقت ذاته تعالى بالوصف، ونحن نبرأ من هذا نحن وأنت". فيقال: أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله ﵎ موجود كامل بجميع صفاته، فإذا قال القائل: "دعوت الله" أو "عبدت الله"، كان اسم الله متناولا للذات المتضمنة لصفاتها، ليس اسم الله اسما للذات مجردة عن صفاتها اللازمة لها، وحقيقة ذلك أنه لا يكون نفسه إلا بنفسه، ولا يكون ذاته إلا بصفاته، ولا يكون نفسه إلا بما هو داخل في مسمى اسمها، وهذا حق.
ولكن قول القائل: إنه يلزم أن يكون مع الله قدماء، تلبيس. فإن ذلك يشعر أن مع الله قدماء غيره منفصلة عنه، وهذا لا يقوله إلا من هو أكفر الناس وأجهلهم بالله كالفلاسفة؛ لأن لفظ الغير ُيراد به ما كان مفارقا له بوجود أو زمان أو مكان، ويُراد به ما أمكن العلم دونه.
فالصفة لا تسمى غيرا له، فعلى المعنى الأول يمتنع أن يكون معه غيره، وأما على المعنى الثاني فلا يمتنع أن يكون وجوده مشروطا بصفات، وأن يكون مستلزما لصفات لازمة له، وإثبات المعاني القائمة التي توصف بها الذات لا بد منها لكل عاقل، ولا خروج عن ذلك إلا بجحد وجود الموجودات مطلقا.
وأما من جعل وجود العلم هو وجود القدرة، ووجود القدرة هو وجود الإرادة، فطرد هذه المقالة يستلزم أن يكون وجود كل شيء هو عين وجود الخالق تعالى، وهذا منتهى الاتحاد، وهو مما يعلم بالحس والعقل والشرع أنه في غاية الفساد، ولا مُخَلِّصَ من هذا إلا بإثبات الصفات، مع نفي مماثَلة المخلوقات، وهو دين الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
وذلك أن نُفاة الصفات -من المتفلسفة ونحوهم- يقولون: إن العاقل والمعقول، والعاشق والمعشوق، واللذة واللذيذ والملتذ هو شيء واحد، وأنه موجود واجب له عناية، ويفسرون عنايته بعلمه أو عقله، ثم يقولون: وعلمه أو عقله هو ذاته، وقد يقولون: إنه حي عليم قدير، مريد متكلم، سميع بصير.
ويقولون: إن
1 / 132